للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي رِوايةٍ لمالِكٍ في «المُوطَّأ» قالَ: «أرضِعيهِ خَمسَ رَضعاتٍ»، فكانَ بمَنزلةِ وَلدِه مِنْ الرضاعةِ، وهذا الحَديثُ أخَذَتْ به عائشةُ، وأبَى غيرُها مِنْ أزواجِ النبيِّ أنْ يَأخذْنَ به، مع أنَّ عائشةَ روَتْ عنه قالَ: «الرَّضاعةُ مِنْ المَجاعةِ»، لكنَّها رَأتِ الفَرقَ بينَ أنْ يَقصدَ رَضاعةً أو تَغذيةً، فمتَى كانَ المقصودُ الثانِيَ لم يُحرِّمْ إلا ما كانَ قبلَ الفِطامِ، وهذا هو إرضاعُ عامَّةِ الناسِ، وأما الأوَّلُ فيَجوزُ إنِ احتِيجَ إلى جَعلِه ذا مَحرمٍ، وقد يَجوزُ للحاجةِ ما لا يَجوزُ لغَيرِها، وهذا قولٌ مُتوجِّهٌ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ القَيمِ : وقالَتْ طائفةٌ مِنْ السَّلفِ والخلَفِ: يُحرِّمُ رَضاعُ الكَبيرِ ولو أنه شَيخٌ …

قالَ المُثبِتونَ للتَّحريمِ برَضاعِ الشُّيوخِ: قد صَحَّ عن النبيِّ صِحةً لا يَمتَري فيها أحَدٌ أنه أمَرَ سَهلةَ بنتَ سُهيلٍ أنْ تُرضعَ سالمًا مَولى أبي حُذيفةَ وكانَ كَبيرًا ذا لِحيةٍ، وقالَ: «أرضِعيهِ تَحرُمي عليه»، ثمَّ ساقوا الحَديثَ وطُرقَه وألفاظَه، وهي صَحيحةٌ صَريحةٌ بلا شَكٍّ، ثم قالُوا: فهذهِ الأخبارُ تَرفعُ الإشكالَ وتُبيِّنُ مُرادَ اللهِ ﷿ في الآياتِ المَذكوراتِ أنَّ الرَّضاعةَ التي تَتمُّ بتَمامِ الحَولينِ أو بتَراضِي الأبَوينِ قبلَ الحَولينِ إذا رَأيَا في ذلكَ صَلاحًا للرَّضيعِ إنما هي المُوجِبةُ للنَّفقةِ على المَرأةِ المُرضِعةِ، والتي يُجبَرُ عليها الأبَوانِ أحَبَّا أم كَرهَا، ولقدْ كانَ في الآيةِ كِفايةٌ مِنْ هذا؛ لأنه تعالَى قالَ: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ


(١) «مجموع الفتاوى» (٣٤/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>