ومَعلومٌ أنَّ الطِّفلَ لا يَستغني بالطَّعامِ بعدَ يَومٍ أو يَومينِ مِنْ فِطامِه، فكانَ ذلكَ كرَضاعةٍ في الحَولينِ، ولأنه إرضاعٌ مع المَجاعةِ إليه كالحَولينِ.
وهذا ما دامَ مَقصورًا على الرضاعِ، أو يَأكلُ معَه ما يَضرُّ به الاقتِصارُ عليه، فلو فُطمَ ثم أرضَعَتْه امرأةٌ بعدَ فِصالِه بيَومٍ أو يَومينِ أو ما أشبَهَ ذلكَ حَرَّمَ؛ لأنه لو أُعيدَ للَّبنِ لَكانَ قوَّةً في غَدائِه وعَشائِه، فلو فُصلَ فِصالًا بيِّنًا فلا اعتبارَ بما يَحصلُ له مِنْ اللَّبنِ بعدَ ذلكَ ولو حصَلَ الاستِغناءُ في الحَولينِ، وسَواءٌ استَغنى فيهِما بمُدةٍ بَعيدةٍ أو قَريبةٍ على المَشهورِ، وهو مَذهبُ «المُدوَّنة»، خِلافًا للأخوَينِ وأصبَغَ في بَقاءِ التحريمِ إلى تَمامِهما.
قالَ الدُّسوقيُّ ﵀: وحاصِلُ الفقهِ كما في «التَّوضِيح» أنه إذا حصَلَ الرضاعُ في الحَولينِ فإنْ لم يَستغنِ بأنْ لم يُفطمْ أصلًا أو فُطمَ ولكنْ أرضَعَتْه بعدَ فِطامِه بيومٍ أو يَومينِ نشَرَ الحُرمةَ باتِّفاقٍ وإنِ استَغنَى، فإما أنْ يَحصلَ الرضاعُ بعدَ الاستغناءِ بمُدةٍ قَريبةٍ أو بَعيدةٍ، فإنْ كانَ بمُدةٍ بَعيدةٍ لم يُعتبَرْ، وكذا إنْ كانَ بمُدةٍ قَريبةٍ على المَشهورِ، وهو مَذهبُ «المُدوَّنة»، فمَذهبُها أنَّ الرضاعَ بعدَ الاستغناءِ لا يُحرمُ، سَواءٌ حصَلَ بعدَ الاستغناءِ بمُدةٍ قَريبةٍ أو بَعيدةٍ، ومُقابلُه لمُطرِّفٍ وابنِ الماجشُونِ وأصبَغَ في «الواضِحَة» أنه يُحرِّمُ إلى تَمامِ الحَولينِ ولو حصَلَ بعدَ الاستِغناءِ بمُدةٍ قَريبةٍ أو بَعيدةٍ (١).
(١) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٣/ ٤٦٩)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٢٢١، ٢٢٢)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ١٧٨)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٥٤، ٥٥).