للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الآيةُ الثانيةُ فالفِصالُ في عامَينِ لا يَنفي الفِصالَ في أكثَرِ مِنْ عامَينِ كما لا يَنفيهِ في أقَلَّ مِنْ عامَينِ عن تَراضٍ منهُما وتَشاوُرٍ، فكانَ هذا استِدلالًا بالمَسكوتِ، كقَولِه ﷿: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] الآيَة، أنه لا يُمنعُ جَوازُ الكِتابةِ إذا لم يَعلمْ فيهم خَيرًا.

قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : ثم الرضاعُ يُحرِّمُ في المُدةِ على اختلافِهم فيها، سواءٌ فُطمَ في المُدةِ أو لم يُفطمْ، هذا جَوابُ ظاهِرِ الروايةِ عن أصحابِنا، حتى لو فصلَ الرَّضيعُ في مُدةِ الرضاعِ ثم سُقيَ بعدَ ذلك في المُدةِ كانَ ذلكَ رَضاعًا مُحرِّمًا، ولا يُعتبَرُ الفِطامُ، وإنما يُعتبَرُ الوَقتُ، فيُحرِّمُ عندَ أبي حَنيفةَ ما كانَ في السَّنتينِ ونِصفٍ، وعندَهُما ما كانَ في السَّنتينِ؛ لأنَّ الرضاعَ في وَقتِه عُرفَ مُحرِّمًا في الشرعِ؛ لِما ذكَرْنا مِنْ الدلائلِ مِنْ غيرِ فَصلٍ بينَ ما إذا فُطمَ أو لم يُفطمْ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في المُعتمَدِ عندَهُم إلى أنَّ شرْطَ نَشرِ الحُرمةِ بالرَّضاعِ أنْ يَحصلَ الوُصولُ للجَوفِ في الحَولينِ مِنْ وِلادتِه أو بزِيادةِ ما قَرُبَ منهُما ممَّا له حُكمُه كالشَّهرِ والشَّهرينِ، وقيلَ: الثَّلاثةِ الأشهُرِ؛ لأنَّ هذهِ الزيادةَ اليَسيرةَ مُعتبرةٌ؛ لقَولِ النبيِّ : «إنَّما الرَّضاعةُ مِنْ المَجاعةِ» (٢)،


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٦، ٧)، و «الاختيار» (٣/ ١٤٦)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٣٨١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٧١)، و «اللباب» (٢/ ٦١، ٦٢).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٤٧)، ومسلم (١٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>