على الذِّميةِ، ورَواهُ أشهَبُ عن مالِكٍ، وهو قولُ أبي حَنيفةَ، ولا إحدادَ عندَه على الصغيرةِ.
واحتَجَّ أربابُ هذا القولِ بأنَّ النبيَّ ﷺ جعَلَ الإحدادَ مِنْ أحكامِ مَنْ يُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فلا تَدخلُ فيه الكافرةُ، ولأنها غيرُ مُكلَّفةٍ بأحكامِ الفُروعِ.
قالُوا: وعُدولُه عن اللَّفظِ العامِّ المُطلَقِ إلى الخاصِّ المُقيَّدِ بالإيمانِ يَقتضي أنَّ هذا مِنْ أحكامِ الإيمانِ ولَوازمِه وواجِباتِه، فكأنَّه قالَ: مَنْ التزَمَ الإيمانَ فهذا مِنْ شَرائعِه وواجِباتِه.
والتَّحقيقُ أنَّ نفْيَ حِلِّ الفعلِ عن المُؤمنينَ لا يَقتضي نفْيَ حُكمِه عن الكفَّارِ ولا إثباتَ لهُم أيضًا، وإنما يَقتضي أنَّ مَنْ التَزمَ الإيمانَ وشَرائعَه فهذا لا يَحلُّ له، ويَجبُ على كلِّ حالٍ أنْ يلزمَ الإيمانَ وشَرائعَه، ولكنْ لا يُلزمُه الشارعُ شَرائعَ الإيمانِ إلا بعدَ دُخولِه فيه، وهذا كما لو قيلَ:«لا يَحلُّ لمُؤمنٍ أنْ يَتركَ الصَّلاةَ والحجَّ والزكاةَ»، فهذا لا يَدلُّ على أنَّ ذلكَ حِلٌّ للكافرِ، وهذا كما قالَ في لباسِ الحَريرِ لا يَنبغي هذا للمُتقِينَ، فلا يَدلُّ أنه يَنبغي لغَيرِهم، وكذا قَولُه: لا يَنبغي للمُؤمنِ أنْ يَكونَ لعَّانًا.
وسِرُّ المَسألةِ أنَّ شَرائعَ الحَلالِ والحَرامِ والإيجابِ إنما شُرعَتْ لمَن التَزمَ أصلَ الإيمانِ ومَن لم يَلتزمْه وخُليَ بينَه وبينَ دِينِه، فإنه يُخلَّى بينَه وبينَ شَرائعِ الدِّينِ الذي التَزمَه كما خُليَ بينَه وبينَ أصلِه ما لم يُحاكمْ إلينا،