للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَليلُنا: قَولُه تَعالى: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨)[النور: ٨]، وذِكرُ العَذابِ بالألِفِ واللَّامِ يُوجِبُ حمْلَه على جِنسٍ أو مَعهودٍ، فلم يَجُزْ حَملُه على جِنسِ العَذابِ؛ لأنه لا يَجبُ، فوجَبَ حَملُه على المَعهودِ وهو الحَدُّ؛ لقَولِه تَعالَى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)[النور: ٢].

فإنْ قيلَ: فالجِنسُ مَعهودٌ في عَذابِ مَنْ امتَنعَ مِنْ الحُقوقِ.

قُلنا: لا يَصحُّ حَملُه على الجِنسِ مِنْ وَجهَينِ:

أحَدُهما: أنَّ الجِنسَ لم يُسَمَّ في عُرفِ الشرعِ عَذابًا، وقد سُمِّيَ الحَدُّ عَذابًا، قالَ تَعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥] يَعنِي الحَدَّ، فكانَ حَملُه على عُرفِ الشَّرعِ أَولى.

والثاني: أنَّ اللهَ تَعالى جعَلَ لِعانَها يَدرأُ عنها العَذابَ الواجِبَ بلِعانِ الزوجِ، والحبسُ لم يَجبْ بلِعانِ الزوجِ، وإنَّما وجَبَ بامتِناعِها، فلم يَجُزْ حَملُه عليه، ولأنَّ ما خرَجَ بهِ الزوجُ مِنْ قَذفِه جازَ أنْ يَجبَ بهِ الحَدُّ على زَوجتِه كالبيِّنةِ، ولأنَّ ما ثبَتَ ببيِّنةِ الزوجِ ثبَتَ بلِعانِه كالحَبسِ، ولأنها أحَدُ الزوجَينِ، فوجَبَ أنْ يُدرأَ بلِعانِها الحَدُّ كالزوجِ، ولأنَّ مَنْ حلَفَ على شَيءٍ استُفيدَ صِدقُه فيه كالمُتلاعنَينِ، ولأنَّ لِعانَ الزوجِ يَتضمَّنُ إثباتَ الزنا ونفيَ الوَلدِ، فلمَّا تَعلقَ بلِعانِه نَفيُ الولدِ وجَبَ أنْ يَتعلقَ به ثُبوتُ الزنا؛ لأنه أحَدُ مَقصودَيِ اللعانِ، وثُبوتُ الزنا منها يُوجِبُ الحَدَّ عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>