والشاهدُ قَولُ النبيِّ ﷺ:«البيِّنةَ أو حَدٌّ في ظَهرِكَ»، ولأنه قاذِفٌ يَلزمُه الحَدُّ لو أكذَبَ نفسَه، فلَزمَه إذا لم يَأتِ بالبيِّنةِ المَشروعةِ كالأجنَبيِّ.
فأمَّا إنْ قذَفَ غيرَها كالكِتابيةِ والأمَةِ والمَجنونةِ والطِّفلةِ فإنه يَجبُ عليه التعزيرُ بذلكَ؛ لأنه أدخَلَ عَليهنَّ المَعرَّةَ بالقَذفِ، ولا يُحَدُّ لهنَّ حَدًّا كامِلًا؛ لنُقصانهنَّ بذلك، ولا يَتعلَّقُ به فِسقٌ ولا رَدُّ شَهادةٍ؛ لأنه لا يُوجِبُ الحَدَّ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: قالَ القاضي: وليسَ له إسقاطُ هذا التَّعزيرِ باللِّعانِ؛ لأنَّ اللِّعانَ إمَّا لنَفيِ النَّسبِ أو لدَرءِ الحَدِّ، وليسَ هاهُنا واحِدٌ منهُما.
وقالَ الشافعيُّ: له إسقاطُه باللِّعانِ؛ لأنه إذا مَلكَ إسقاطَ الحَدِّ الكامِلِ باللِّعانِ فإسقاطُ ما دونَه أَولَى.
وللقاضي أنْ يَقولَ: لا يَلزمُ مِنْ مَشروعيَّتِه لدَفعِ الحَدِّ الذي يَعظمُ ضَررُه مَشروعيَّتُه لدَفعِ ما يَقلُّ ضَررُه، كما لو قذَفَ طِفلةً لا يُتصوَّرُ وَطؤُها فإنه يُعزَّرُ تَعزيرَ السَّبِّ والأذَى، وليس له إسقاطُه باللِّعانِ، كذا هاهُنا.
وأمَّا إنْ كانَ لأحدِ هؤلاءِ ولَدٌ يُريدُ نفيَه فقالَ القاضي: له أنْ يُلاعِنَ لنَفيِه، وهذا قولُ الشافعيِّ، وهو ظاهِرُ كَلامِ أحمَدَ في الأمَةِ والكِتابيةِ، سواءٌ كانَ لهُما ولَدٌ أو لم يَكنْ (١).
(١) «المغني» (٨/ ٤٨، ٤٩)، ويُنظَر: «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٥٠٧، ٥٠٨)، و «المعونة» (١/ ٦١١، ٦١٢)، و «القوانين الفقهية» ص (١٦٢)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ٥٢)، و «البيان» (١٠/ ٤٠٤، ٤٠٦)، و «جواهر العقود» (٢/ ١٤١)، و «الإفصاح» (٢/ ١٩١)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٦٣، ٥٦٤)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٥٤، ٤٥٥)، و «منار السبيل» (٣/ ١٤٥).