الواجِبةَ عِندَه قولًا واحِدًا، ولا يُقدِّرُ الضِّيافةَ المَشروطةَ على أهلِ الذِّمةِ للمُسلمِينَ في ظاهرِ مَذهبِه، هذا مع أنَّ هذه واجبةٌ بالشَّرطِ، فكيفَ يُقدِّرُ طَعامًا واجبًا بالشرعِ؟! بل ولا يُقدِّرُ الجِزيةَ في أظهَرِ الرِّوايتَينِ عنه ولا الخَراجَ، ولا يُقدِّرُ أيضًا الأطعِمةَ الواجِبةَ مُطلَقًا، سواءٌ وجَبَتْ بشَرعٍ أو شَرطٍ، ولا غيرَ الأطعِمةِ ممَّا وجَبَتْ مُطلَقًا، فطَعامُ الكفَّارةِ أَولى أنْ لا يُقدَّرَ.
و «الأقسامُ ثلاثةٌ»، فما لهُ حَدٌّ في الشَّرعِ أو اللُّغةِ رجعَ في ذلكَ إليهِما، وما ليس لهُ حَدٌّ فيهما رجعَ فيه إلى العُرفِ (١).
وقالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: الذي دلَّ عليهِ القُرآنُ والسُّنةُ أنَّ الواجِبَ في الكفَّارةِ الإطعامُ فقطْ لا التَّمليكُ، قالَ تَعالى في كفَّارةِ اليَمينِ: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، وقالَ في كفَّارةِ الظِّهارِ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤]، وقالَ في فديَةِ الأذَى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وليسَ في القُرآنِ في إطعامِ الكفَّاراتِ غيرُ هذا، وليسَ في مَوضعٍ واحِدٍ مِنها تَقديرُ ذلكَ بمُدٍّ ولا رَطلٍ.
وصحَّ عنِ النبيِّ ﷺ أنه قالَ لمَن وَطئَ في نهارِ رَمضانَ:«أَطعِمْ ستِّينَ مِسكينًا»، وكذلكَ قالَ للمُظاهِرِ، ولم يَحُدَّ ذلكَ بمُدٍّ ولا رَطلٍ.