للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِنهُم مَنْ قالَ: يُطعِمُ كلَّ واحدٍ نِصفَ صاعٍ مِنْ تَمرٍ وشَعيرٍ أو رُبعَ صاعٍ مِنْ بُرٍّ، وهو مُدٌّ، كقَولِ أحمدَ وطائفةٍ.

ومِنهُم مَنْ قالَ: بل يُجزئُ في الجَميعِ مُدٌّ مِنْ الجَميعِ، كقَولِ الشافعيِّ وطائفةٍ.

«والقَولُ الثاني» أنَّ ذلكَ مُقدَّرٌ بالعُرفِ لا بالشَّرعِ؛ فيُطعِمُ أهلَ كلِّ بلدٍ مِنْ أوسَطِ ما يُطعِمونَ أَهليهِم قَدرًا ونَوعًا، وهذا مَعنَى قَولِ مالِكٍ، قالَ إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: كانَ مالكٌ يَرَى في كفَّارةِ اليَمينِ أنَّ المُدَّ يُجزئُ بالمدينةِ، قالَ مالكٌ: وأمَّا البُلدانُ فإنَّ لهُم عَيْشًا غيرَ عَيشِنا، فأرَى أنْ يُكفِّرُوا بالوَسَطِ مِنْ عَيشِهم؛ لقَولِ اللَّهِ تَعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، وهو مَذهبُ داوُدَ وأصحابِه مُطلَقًا، والمَنقولُ عَنْ أكثَرِ الصَّحابةِ والتابعِينَ هذا القَولُ؛ ولهذا كانوا يَقولونَ: الأوسَطُ خُبزٌ ولَبَنٌ، خُبزٌ وسَمنٌ، خُبزٌ وتَمرٌ، والأعلَى خُبزٌ ولَحمٌ، وقدْ بَسَطْنا الآثارَ عنهم في غيرِ هذا المَوضعِ وبيَّنَّا أنَّ هذا القَولَ هو الصَّوابُ الذي يَدلُّ عليه الكِتابُ والسُّنةُ والاعتِبارُ، وهو قياسُ مَذهبِ أحمدَ وأصولِه، فإنَّ أصلَه أنَّ ما لَم يُقدِّرْه الشارعُ فإنه يُرجَعُ فيه إلى العُرفِ، وهذا لم يُقدِّرْه الشَّارعُ، فيُرجَعُ فيه إلى العُرفِ، لا سِيَّما مع قولِه تعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، فإنَّ أحمدَ لا يُقدِّرُ طَعامَ المَرأةِ والولَدِ ولا المَملوكِ، ولا يُقدِّرُ أُجرةَ الأجيرِ المُستأجَرِ بطَعامِه وكِسوتِه في ظاهرِ مَذهبِه، ولا يُقدِّرُ الضِّيافةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>