للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ العَمرانِيُّ الشافِعيُّ : إذا قالَ لامرَأتِه: «إنْ أصَبتُكِ فأنتِ عليَّ حَرامٌ» فإنْ نَوى بهِ الطلاقَ أو الظِّهارَ أو تَحريمَ عَينِها .. كانَ مُوليًا على قَولِه الجَديدِ، وإنْ قُلنا: إنه كِنايةٌ .. لم يَكنْ مُوليًا.

وإنْ قالَ: «أنتِ عليَّ حَرامٌ» ثمَّ قالَ: «نَويتُ إنْ أصَبتُكِ فأنتِ عليَّ حَرامٌ» .. فقدْ قالَ أكثَرُ أصحابِنا: لا يُقبَلُ منهُ في الحُكمِ، ويُديَّنُ فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالَى؛ لأنَّ ظاهِرَ لَفظِه يُوجِبُ الكفَّارةَ في الحالِ، فلمْ يُقبَلْ قَولُه فيما يَقتضي تأخيرَها، كما لَو قالَ لامرَأتِه: «أنتِ طالِقٌ» ثمَّ قالَ: «أرَدتُ إذا دخَلتِ الدارَ».

وقالَ ابنُ الصبَّاغِ: «يُقبَلُ قَولُه»؛ لأنَّ الكفَّارةَ لا يُطالِبُ بها الحاكِمُ، فلا معنَى لإيجابِ ذلكَ في الحُكمِ وهو مُقِرٌّ بالإيلاءِ، فيَلزمُه حُكمُ إقرارِه، ويَثبتُ للمَرأةِ مُطالَبتُه بعدَ مدَّةِ التربُّصِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وإنْ قالَ: «إنْ وَطئتُكِ فأنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي» فقالَ أحمَدُ: لا يَقربُها حتى يُكفِّرَ، وهذا نصٌّ في تَحريمِها قبلَ التَّكفيرِ، وهو دليلٌ على تَحريمِ الوَطءِ في المَسألةِ التي قبلَها بطَريقِ التَّنبيهِ؛ لأنَّ المُطلَّقةَ ثلاثًا أعظَمُ تَحريمًا مِنْ المُظاهَرِ مِنها، وإذا وَطئَ هاهُنا فقدْ صارَ مُظاهِرًا مِنْ زَوجتِه وزالَ حُكمُ الإيلاءِ، ويُحتملُ أنَّ أحمَدَ إنما أرادَ: إذا وَطئَها مرَّةً فلا يَطؤُها حتى يُكفِّرَ؛ لكَونِه صارَ بالوطءِ مُظاهِرًا؛ إذْ لا يَصحُّ تَقديمُ الكفَّارةِ على الظِّهارِ؛ لأنه سبَبُها، ولا يَجوزُ تَقديمُ الحُكمِ على سَببِه، ولو كفَّرَ قبلَ الظِّهارِ لم


(١) «البيان في مذهب الإمام الشافعي» (١٠/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>