للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الشَّافعيُّ : «كانَتِ الفِرَقُ الجَاهليةُ تَحلفُ بثَلاثةِ أشياءَ: بالطلاقِ والظِّهارِ والإيلاءِ، فنقَلَ اللهُ الإيلاءَ والظِّهارِ عمَّا كانا عليه في الجاهليَّةِ مِنْ إيقاعِ الفُرقةِ على الزوجةِ إلى ما استَقرَّ عليهِ حُكمُهما في الشَّرعِ، وبَقيَ حُكمُ الطلاقِ على ما كانَ عليهِ».

قالوا: ولأنَّ الطلاقَ إنَّما يقَعُ بالصَّريحِ والكِنايةِ، وليسَ الإيلاءُ واحِدًا منهُما؛ إذْ لو كانَ صَريحًا لَوقَعَ مُعجَّلًا إنْ أطلَقَه، أو إلى أجَلٍ مسمًّى إنْ قيَّدَه، ولو كانَ كِنايةً لَرُجعَ فيه إلى نيَّتِه، ولا يَرِدُ على هذا اللِّعانُ؛ فإنه يُوجِبُ الفَسخَ دُونَ الطلاقِ، والفَسخُ يَقعُ بغَيرِ قَولٍ، والطلاقُ لا يَقعُ إلا بالقَولِ.

قالوا: وأمَّا قِراءةُ ابنِ مَسعودٍ فغايَتُها أنْ تَدلَّ على جَوازِ الفَيئةِ في مدَّةِ التربُّصِ، لا على استِحقاقِ المُطالَبةِ بها في المدَّةِ، وهذا حَقٌّ لا نُنكِرُه.

وأمَّا قَولُكم: «جَوازُ الفَيئةِ في المدَّةِ دَليلٌ على استِحقاقِها فيها» فهو باطِلٌ بالدَّينِ المؤجَّلِ.

وأمَّا قَولُكم: «إنه لو كانَتِ الفَيئةُ بعدَ المدَّةِ لَزادَتْ على أربَعةِ أشهُرٍ» فلَيسَ بصَحيحٍ؛ لأنَّ الأربَعةَ الأشهُرَ مدَّةٌ لِزَمنِ الصَّبْرِ الذي لا يستحقُّ فيه المُطالَبة، فبُمجرَّدِ انقِضائِها يُستحقُّ عليهِ الحقُّ، فلهَا أنْ تُعجِّلَ المُطالَبةَ به، وإمَّا أنْ تُنظِرَه، وهذا كسائِرِ الحُقوقِ المُعلَّقةِ بآجالٍ مَعدُودةٍ إنَّما تُستحقُّ عندَ انقِضاءِ آجالِها، ولا يُقالُ: إنَّ ذلكَ يَستلزمُ الزِّيادةَ على الأجَلِ، فكذا أجَلُ الإيلاءِ سَواءٌ (١).


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٦٤، ٤٦٥)، و «التاج والإكليل» (٣/ ١٣٣، ١٣٤)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ٩٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٣٥٧، ٣٥٨)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٢٥٤، ٢٥٥)، و «الحاوي الكبير» (١٠/ ٣٤٠، ٣٤٢)، و «البيان» (١٠/ ٣٠١، ٣٠٢)، و «روضة الطالبين» (٥/ ٥٦٩، ٥٧٠)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٩، ٤٤)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٦، ٢٨)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٦٤٤، ٦٤٥)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ٩٠)، و «الديباج» (٣/ ٤٩٩، ٥٠٠)، و «المغني» (٧/ ٤٢٨)، و «زاد المعاد» (٥/ ٣٤٧، ٣٥٠)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٢٠، ٤٢١)، و «منار السبيل» (٣/ ١٣٠، ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>