فهكذا يَنبغِي أنْ يكونَ الاعتِدادُ في حقِّها بالحَيضِ الذي هو أحوَطُ مِنْ الطُّهرِ؛ فإنها لا تَحتسِبُ ببَقيَّةِ الحَيضةِ قُرءًا وتَحتسبُ ببَقيةِ الطُّهرِ قُرءًا.
الثَّاني: أنَّ استِبراءَ الأمَةِ فرعٌ على عِدَّةِ الحرَّةِ، وهي الثَّابتةُ بنَصِّ القُرآنِ، والاستِبراءُ إنَّما ثبَتَ بالسُّنةِ، فإذا كانَ قَدْ احتاطُ له الشارعُ بأنْ جعَلَه بالحَيضِ فاستِبراءُ الحرَّةِ أَولى، فعدَّةُ الحرَّةِ استِبراءٌ لها واستِبراءُ الأمَةِ عدَّةٌ لها.
وأيضًا فالأدلَّةُ والعَلاماتُ والحُدودُ والغاياتُ إنَّما تَحصلُ بالأمورِ الظَّاهرةِ المُتميِّزةِ عن غيرِها، والطُّهرُ هو الأمرُ الأصليُّ، ولهذا متَى كانَ مُستمِرًّا مُستصحَبًا لم يَكنْ له حُكمٌ يُفرَدُ به في الشريعةِ، وإنَّما الأمرُ المُتميِّزُ هو الحَيضُ؛ فإنَّ المرأةَ إذا حاضَتْ تَغيَّرتْ أحكامُها مِنْ بُلوغِها وتَحريمِ العباداتِ عليها مِنْ الصلاةِ والصومِ والطوافِ واللُّبثِ في المَسجدِ وغيرِ ذلكَ مِنْ الأحكامِ، ثمَّ إذا انقطَعَ الدَّمُ واغتَسلتْ فلمْ تتغيَّرْ أحكامُها بتَجدُّدِ الطُّهرِ، لكنْ لزَوالِ المُغيِّرِ الذي هو الحَيضُ، فإنها تَعودُ بعدَ الطُّهرِ إلى ما كانتْ عليهِ قبلَ الحَيضِ مِنْ غيرِ أنْ يُجدِّدَ لها الطُّهرُ حُكمًا، والقُرءُ أمرٌ يغيِّرُ أحكامَ المَرأةِ، وهذا التغييرُ إنَّما يَحصلُ بالحَيضِ دُونَ الطُّهرِ، فهذا الوَجهُ دالٌّ على فَسادِ قَولِ مَنْ يَحتسِبُ بالطُّهرِ الذي قبلَ الحَيضةِ قُرءًا فيما إذا طلقَتْ قبلَ أنْ تَحيضَ ثمَّ حاضَتْ، فإنَّ مَنْ اعتَدَّ بهذا الطُّهرِ قُرءًا جعَلَ شَيئًا ليسَ له حُكمٌ في الشريعةِ قُرءًا مِنْ الأقراءِ، وهذا فاسِدٌ (١).
(١) «زاد المعاد» (٥/ ٦١١، ٦١٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٩٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٠٩)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٤٨٠).