للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : واختَلفُوا في مِقدارِ ما يَجوزُ للزوجِ أنْ يَطَّلعَ عليهِ مِنْ المطلَّقةِ الرجعيةِ ما دامَتْ في العدَّةِ، فقالَ مالكٌ: لا يَخلُو مَعها، ولا يَدخلُ عليها إلا بإذنِها، ولا يَنظرُ إلى شَعرِها، ولا بأسَ أنْ يأكُلَ معها إذا كانَ معَهما غيرُهما.

وحكى ابنُ القاسِمِ أنه رجَعَ عن إباحَةِ الأكلِ معها.

وقالَ أبو حَنيفةَ: لا بأسَ أنْ تتزيَّنَ الرجعيةُ لزَوجِها وتَتطيَّبَ له وتَتشوَّفَ وتُبدِي البَنانَ والكُحلَ، وبهِ قالَ الثوريٌّ وأبو يُوسفَ والأوزاعيُّ، وكلُّهم قالُوا: لا يَدخلُ عليها إلا أنْ تَعلمَ بدُخولِه بقَولٍ أو حَركةٍ مِنْ تَنحنُحٍ أو خَفقِ نَعلٍ (١).

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : وأما الخَلوةُ؛ فإنْ كانَ مِنْ قَصدِه الرجعةُ لا يُكرَه، وإنْ لم يَكنْ مِنْ قَصدِه المُراجَعةُ يُكرَه، لكنْ لا لزوالِ النكاحِ وارتِفاعِ الحِلِّ، بل للإضرارِ بها؛ لأنه إذا لم يكنْ مِنْ قَصدِه استِيفاءُ النكاحِ بالرجعةِ فمَتى خَلا بها يقَعَ بينَهُما المِساسُ عَنْ شَهوةٍ، فيَصيرُ مُراجِعًا لها، ثمَّ يُطلِّقُها ثانيًا فيُؤدِّي إلى تَطويلِ العدَّةِ عليها فتَتضرَّرُ بذلكَ، وهو مَعنَى قَولِه تعَالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾ [البقرة: ٢٣١]، وكذلكَ القَسْمُ؛ لأنه لو ثبَتَ القَسْمُ لَخَلا بها، فيُؤدِّي إلى ما ذكَرْنا إذا لم يَكنْ مِنْ قَصدِه أنْ يُراجِعَها، حتى لو كانَ مِنْ قَصدِه أنْ يُراجِعَها لَكانَ لها القَسْمُ وله الخَلوةُ بها (٢).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٦٤).
(٢) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>