اللهَ تعالَى جمَعَ بيْنَ الرجعةِ والفُرقةِ وأمَرَ بالإشهادِ عليهِما، ثمَّ الإشهادُ على الفُرقةِ مُستحبٌّ لا واجِبٌ، فكذلكَ على الرجعةِ، وهو نَظيرُ قولِه تعالَى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، ثمَّ البَيعُ صَحيحٌ مِنْ غيرِ إشهادٍ، فكذا الرجعةُ.
٧ - والإشهادُ على الرَّجعةِ مَندوبٌ إليهِ؛ احتِرازًا عَنْ التَّجاحُدِ وعن الوُقوفِ في مَواضِعِ التُّهمِ؛ لأنَّ الناسَ عرَفوهُ مُطلِّقًا، فيُتَّهمُ بالقُعودِ معها إنْ لَم يُشهدْ عَلى رَجعتِها.
٨ - ولأنَّ الفُقهاءَ لم يَختلفُوا في أنَّ المُرادَ بالفِراقِ المَذكورِ في الآيَةِ إنَّما هو تَركُها حتى تَنقضيَ عدَّتُها، وأنَّ الفُرقةَ تَصحُّ وإنْ لم يقَعِ الإشهادُ عليها، ويُشهدُ بعدَ ذلكَ، وقد ذُكرَ الإشهادُ عَقيبَ الفُرقةِ ثمَّ لم يَكنْ شَرطًا في صحَّتِها، كذلكَ الرَّجعةُ.
٩ - وأيضًا لمَّا أمَرَ اللهُ بالإشهادِ على الإمساكِ أو الفُرقةِ احتِياطًا لهُما ونفيًا للتُّهمةِ عنهُما إذا عُلمَ الطلاقُ ولم يُعلَمِ الرجعةُ أو لم يُعلمِ الطلاقُ والفِراقُ، فلا يُؤمَنُ التَّجاحُدُ بينَهُما، ولم يَكنْ معنَى الاحتِياطِ فيهما مَقصورًا على الإشهادِ في حالِ الرجعةِ أو الفُرقةِ، بل يَكونُ الاحتِياطُ باقيًا، وإنْ أشهَدَ بعدَهُما وجَبَ أنْ لا يَختلفَ حُكمُهما إذا أشهَدَ بعدَ الرجعةِ بساعةٍ أو ساعتَينِ، قالَ الجصَّاصُ ﵀: ولا نَعلمُ بيْنَ أهلِ العِلمِ خِلافًا في صحَّةِ وُقوعِ الرجعةِ بغَيرِ شُهودٍ، إلا شَيئًا يُروَى عن عَطاءٍ؛ فإنَّ سُفيانَ رَوى