للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرَّابعُ: أنَّ العمَلَ قدِ استَمرَّ على خِلافِ هذا القَولِ، فلا يُلتَفتُ إليهِ.

فنَقَضَ حُجَجَهُم، وأقامَ نَحوًا مِنْ ثلاثِينَ دَليلًا على صحَّةِ هذا القولِ، وصنَّفَ في المَسألةِ قَريبًا مِنْ ألْفِ وَرَقةٍ، ثمَّ مضَى لسَبيلِه راجِيًا مِنَ اللهِ أجرًا أو أجْرَينِ، وهوَ ومُنازِعوهُ يومَ القِيامَةِ عِنْدَ ربِّهمْ يَختصِمونَ (١).

وقالَ ابنُ القيِّمِ أيضًا في «إغاثة اللَّهفانِ»: فَصلٌ: وأمَّا قَولُكمْ: إنَّ مَنْ حلَفَ بطلاقِ زَوجَتِه لَيَشربَنَّ هذا الخَمرَ، أو لَيَقتُلَنَّ هذا الرَّجلَ أو نحوَ ذلكَ؛ كانَ في الحِيلةِ تَخليصُه مِنْ هذهِ المَفسدةِ ومِن مَفسدةِ وُقوعِ الطَّلاقِ.

فيُقالُ: نَعمْ واللهِ، قد شَرَعَ اللهُ لهُ ما يَتخلَّصُ بهِ، ولخَلاصِه طُرقٌ عَديدةٌ، فلا تَتعيَّنُ الحِيلةُ الَّتي هيَ خِداعٌ ومَكرٌ لتَخليصِه، بل هَهُنا طَرقٌ عِدَّةٌ قد سَلكَ كُلَّ طَريقِ مِنها طائِفةٌ مِنَ الفُقهاءِ مِنْ سلَفِ الأمَّةِ وخلَفِها.

الطَّريقُ الأُولَى: طَريقةُ مَنْ قالَ: لا تَنعقِدُ هذه اليَمينُ بحالٍ، ولا يَحنَثُ فيها بشَيءٍ، سَواءٌ كانَتْ بصِيغةِ الحلِفِ كقَولِه: «الطَّلاقُ يَلزَمُني لَأفعَلَنَّ»، أو بصِيغةِ التَّعليقِ المَقصودِ كقَولِه: «إنْ طَلعَتِ الشَّمسُ، أو إنْ حِضْتِ، أو إنْ جاءَ رَأسُ الشَّهرِ فأنتِ طالِقٌ»، أو التَّعليقُ المَقصودُ بهِ اليَمينُ مِنَ الحَضِّ والمَنعِ والتَّصديقِ والتَّكذيبِ كقَولِه: «إنْ لم أفعَلْ كذا، وإنْ فَعلْتُ كذا فامرَأتي طالقٌ»، وهذا اختيارُ أجَلِّ أصحابِ الشَّافعيِّ الَّذينَ جالَسُوهُ أو مَنْ هوَ مِنْ أجَلِّهم أبي عَبدِ الرَّحمنِ، وهوَ أجَلُّ مِنْ أصحابِ الوُجوهِ المُنتَسبينَ


(١) «إعلام الموقعين» (٢/ ١٣٣، ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>