للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمَّا وَليَ المُتوكِّلُ بعدَ الواثِقِ، وهو أبو الفَضلِ جَعفرُ بنُ المُعتصِمِ، وكانَت وِلايتُه في ذي الحِجةِ عامَ اثنَين وثلاثينَ ومِئتَينِ، خالَفَ ما كانَ عليه المَأمونُ والمُعتصِمُ والواثِقُ من الاعتِقادِ، وطعَنَ عليهم فيما كانوا يَقولونَه من خَلقِ القُرآنِ، ونَهى عن الجِدالِ والمُناظَرةِ عن الأَداءِ، وعاقَبَ عليه، وأمَرَ بإِظهارِ الرِّوايةِ للحَديثِ، فأظهَرَ اللهُ به السُّنةَ، وأَماتَ به البِدعةَ، وكشَفَ عن الخَلقِ تلك الغُمةَ، وأنارَ به تلك الظُّلمةَ، وأطلَقَ من كانَ اعتُقلَ بسَببِ القَولِ بخَلقِ القُرآنِ، ورفَعَ المِحنةَ عن الناسِ، فاستَبشرَ الناسُ بوِلايتِه، وأمَرَ بالقَبضِ على مُحمدِ بنِ عبدِ المَلكِ الزَّياتِ الوَزيرِ، ووضَعَه في تَنُّورٍ إلى أنْ ماتَ، وذلك في عامِ ثَلاثةٍ وثَلاثينَ ومِئتَينِ، وابتَلى اللهُ أَحمدَ بنَ أبي داودَ بالفالِجِ، بعدَ مَوتِ الوَزيرِ بسَبعةٍ وأربَعينَ يَومًا، فوَليَ القَضاءَ مَكانَه وَلدُه؛ أبو الوَليدِ مُحمدٌ، فلم تَكُنْ طَريقَتُه مَرضيَّةً، وكَثُرَ ذامُّوه، وقَلَّ شاكِروه، ثم سخِطَ المُتوكِّلُ على أَحمدَ بنِ أبي داودَ، ووَلدِه مُحمدٍ، في عامِ تِسعةٍ وثَلاثينَ ومِئتَينِ، وأخَذَ جَميعَ ضِياعِ الأبِ وأموالَه من الوَلدِ، مِئةً وعِشرينَ ألفَ دِينارٍ، وجَواهرَ بأربَعينَ ألفَ دِينارٍ، وسَيَّره إلى بَغدادَ من «سُرَّ من رأى» (١).

ووَليَ القاضي يَحيَى بنُ أَكثمَ مَنصِبَ قاضي القُضاةِ (٢)؛ فإنَّه كانَ من أئِمةِ الدِّينِ، وعُلماءِ السُّنةِ، ثم ماتَ أَحمدُ بنُ أبي داودَ بمَرضِ الفالِجِ، في


(١) اسمُ المَوضعِ الذي به الخَليفةُ.
(٢) ورَدَ النَّهيُّ عن التَّسمِّي بقاضِي القُضاةِ ومَلكِ المُلوكِ، وشَاهٍ شَاهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>