للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُيِّنَ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى، فمتَى عَلِمَ مِنْ نَفسِه ذلكَ لم يَقعْ عليهِ فيمَا بيْنَه وبينَ ربِّهِ.

قالَ أبو بكرٍ: لا خِلافَ عَنْ أبي عَبدِ اللهِ أنَّه إذا أرادَ أنْ يقولَ لزَوجتِه: «اسقيني ماءً» فسبَقَ لِسانُه فقالَ: «أنتِ طالِقٌ أو أنتِ حُرَّةٌ» أنهُ لا طلاقَ فيهِ، ونقَلَ ابنُ مَنصورٍ عنهُ أنهُ سُئلَ عن رَجلٍ حلَفَ فجَرَى على لِسانِه غيرُ مَا في قَلبِه فقالَ: أرجُو أنْ يكونَ الأمرُ فيهِ واسِعًا.

وهل تُقبَلُ دَعواهُ في الحُكمِ؟ يُنظَرُ؛ فإنْ كانَ في حالِ الغضَبِ أو سُؤالِها الطَّلاقَ لم يُقبَلْ في الحُكمِ؛ لأنَّ لفْظَه ظاهِرٌ في الطَّلاقِ وقَرينةُ حالِهِ تَدلُّ عليهِ، فكانَتْ دَعواهُ مُخالِفةً للظَّاهِرِ مِنْ وِجهتَينِ فلا تُقبَلُ، وإنْ لم تكنْ في هذهِ الحالِ فظاهِرُ كَلامِ أحمَدَ في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ وأبي الحارِثِ أنهُ يُقبَلُ قولُه، وهو قولُ جابِرِ بنِ زَيدٍ والشَّعبيِّ والحكَمِ، حكاهُ عَنهُم أبو حَفصٍ؛ لأنهُ فسَّرَ كَلامَه بما يَحتملُه احتِمالًا غيرَ بَعيدٍ فقُبِلَ، كما لو قالَ: أنتِ طالِقٌ أنتِ طالِقٌ، وقالَ: أردْتُ بالثَّانيةِ إفهامَها، وقالَ القاضِي: فيهِ رِوايتانِ، هذهِ الَّتي ذَكَرْنا، قالَ: وهي ظاهِرُ كَلامِ أحمَدَ، والثَّانيةُ: لا يُقبَلُ، وهوَ مَذهبُ الشَّافعيِّ؛ لأنهُ خِلافُ ما يَقتضيهِ الظَّاهِرُ في العُرفِ فلم يُقبَلْ في الحُكمِ، كما لو أقَرَّ بعَشرةٍ ثمَّ قالَ: زُيُوفًا أو صِغارًا أو إلى شَهرٍ، فأمَّا إنْ صرَّحَ بذلكَ في اللَّفظِ فقالَ: «طلَّقتُكِ مِنْ وَثاقِي، أو فارَقتُكِ بجِسمِي، أو سرَّحتُكِ مِنْ يَدِي» فلا شَكَّ في أنَّ الطَّلاقَ لا يَقعُ؛ لأنَّ ما يَتَّصلُ بالكَلامِ يَصرِفُه عن مُقتضاهُ كالاستِثناءِ والشَّرطِ، وذكَرَ أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>