﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]، وقالَ سُبحانَه: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨)﴾ [الأحزاب: ٢٨].
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وقولُ ابنِ حامِدٍ أَصحُّ؛ فإنَّ الصَّريحَ في الشَّيءِ مَا كانَ نَصًّا فِيهِ لا يَحتمِلُ غَيرُه إلَّا احتِمالًا بَعيدًا، ولَفظَةُ الفِراقِ والسَّراحِ إنْ وَرَدَا في القُرآنِ بمعنَى الفُرقةِ بيْنَ الزَّوجَينِ فقَدْ ورَدَا لغَيرِ ذلكَ المَعنَى وفي العُرفِ كَثيرًا، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠]، وقالَ: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [البينة: ٤]، فلا مَعنَى لتَخصيصِهِ بفُرقَةِ الطَّلاقِ، على أنَّ قَولَه: ﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٢] لَم يُرِدْ بهِ الطَّلاقَ، وإنَّما هو تَرْكُ ارتِجاعِها، وكذلكَ قَولُه: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، ولا يَصحُّ قِياسُه على لَفظِ الطَّلاقِ؛ فإنهُ مُختَصٌّ بذلكَ سابِقٌ إلى الأفهامِ مِنْ غَيرِ قَرينةٍ ولا دَلالةٍ، بخِلافِ الفِراقِ والسَّراحِ، فعلَى كلا القَولَينِ إذا قالَ: طلَّقتُكِ، أو أنتِ طالِقٌ، أو مُطلَّقةٌ» وقَعَ الطَّلاقُ مِنْ غَيرِ نيَّةٍ، وإنْ قالَ: «فارَقتُكِ، أو أنتِ مُفارَقةٌ، أو سَرَّحتُكِ، أو أنتِ مُسرَّحةٌ» فمَن يَراهُ صَريحًا أوقَعَ بهِ الطَّلاقَ مِنْ غَيرِ نيَّةٍ، ومَن لَم يرَهُ صَريحًا لم يُوقِعْه بهِ إلَّا أنْ يَنوِيَه، فإنْ قالَ: «أردْتُ بقَولي: فارَقتُكِ أيْ بجِسمِي أو بقَلبِي أو بمَذهبي، أو سَرَّحتُكِ مِنْ يَدِي أو شُغلِي أو مِنْ حَبسِي أو سَرَّحتُ شَعرَكِ» قُبِلَ قَولُه، وإنْ قالَ: «أردْتُ بقَولي: أنتِ طالِقٌ: أيْ مِنْ وَثاقِي، أو قالَ: أردتُ أنْ أقولَ: طَلبتُكِ فسَبَقَ لساني فقُلتُ: طلَّقتُكِ» ونَحوُ ذلكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute