للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلاقَ بقَلبِه ولَم يَتلفَّظْ بهِ أنهُ لا شَيءَ عليهِ، إلَّا ما حَكاهُ الخطَّابيُّ عنِ الزُّهريِّ ومالكٍ أنهُ يَقعُ بالعَزمِ، وحَكاهُ ابنُ العَربيِّ عَنْ رِوايةِ أشهَبَ عَنْ مالِكٍ في الطَّلاقِ والعِتقِ والنَّذرِ أنهُ يَكفي فيهِ عزْمُه وجزْمُه في قَلبِه بكَلامِه النَّفسِيِّ، وهذا في غايةِ البُعدِ، ونقَضَه الخطَّابيُّ على قائلِهِ بالظِّهارِ وغَيرِه، فإنهُم أجمَعُوا على أنَّه لَو عزَمَ على الظِّهارِ لَم يَلزمْه حتَّى يَتلفَّظَ بهِ، ولو حَدَّثَ نفسَهُ بالقَذفِ لم يكنْ قاذِفًا، ولو حدَّثَ نفْسَهُ في الصَّلاةِ لم يَكنْ عَليهِ إعادةٌ، وقَد حرَّمَ اللهُ الكَلامَ في الصَّلاةِ، فلو كانَ حَديثُ النَّفسِ في مَعنَى الكلامِ لكانَتْ صَلاتُه تَبطُلُ، وقَد قالَ عُمرُ : «إنِّي لأُجهِّزُ جَيشِي وأنا في الصَّلاةِ»، وممَّنْ قالَ: «إنَّ طلاقَ النَّفسِ لا يُؤثرُ» عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ وابنُ سيرينَ والحسَنُ وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ والشَّعبيُّ وجابِرُ بنُ زَيدٍ وقَتادةُ والثَّوريُّ وأبو حَنيفةَ وأصحابُهُ والشَّافعيُّ وأحمَدُ وإسحاقُ (١).

وقالَ ابنُ عابدِينَ : قولُهُ: (ورُكنُه لفظٌ مَخصوصٌ) هو ما جُعِلَ دَلالةً على مَعنَى الطَّلاقِ مِنْ صَريحٍ أو كِنايةٍ، فخَرجَ الفُسوخُ على ما مَرَّ، وأرادَ اللَّفظَ ولَو حُكمًا ليُدخِلَ الكِتابةَ المُستَبينةَ وإشارةَ الأخرَسِ والإشارةَ إلى العدَدِ بالأصابعِ في قَولِه: «أنتِ طالِقٌ هكذا» كما سَيأتي، وبهِ ظهَرَ أنَّ مَنْ تشاجَرَ معَ زَوجتِه فأعطاها ثلاثةَ أحجارٍ يَنوِي الطَّلاقَ ولَم يَذكُرْ لَفظًا صَريحًا ولا كِنايةً لا يَقعُ عليهِ كما أفتَى بهِ الخَيرُ الرَّملِيُّ وغَيرُه، وكذا


(١) «عمدة القاري» (٢٠/ ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>