وأمَّا الآيةُ فليسَ فيها أنَّ المُحاسَبةَ بما يُخفِيهِ العَبدُ إلزامُهُ بأحكامِهِ بالشَّرعِ، وإنَّما فيها مُحاسَبتُه بمَا يُبديهِ أو يُخفِيهِ، ثمَّ هوَ مَغفورٌ لهُ أو مُعذَّبٌ، فأينَ هذا مِنْ وُقوعِ الطَّلاقِ بالنِّيةِ؟
وأمَّا أنَّ المُصِرَّ على المَعصيةِ فاسِقٌ مُؤاخذٌ فهذا إنَّما هوَ فيمَن عَمِلَ المَعصيةَ ثمَّ أصَرَّ عليها، فهُنا عَملٌ اتَّصلَ بهِ العَزمُ على مُعاوَدتِه، فهذا هوَ المُصِرُّ، وأمَّا مَنْ عزَمَ على المَعصيةِ ولَم يَعملْها فهوَ بيْنَ أمرَينِ: إمَّا أنْ لا تُكتَبَ عليهِ، وإمَّا أنْ تُكتبَ لهُ حسَنةً إذا تَرَكَها للهِ ﷿.
وأمَّا الثَّوابُ والعِقابُ على أعمالِ القُلوبِ فحَقٌّ، والقُرآنُ والسُّنةُ مَملُوآنِ بهِ، ولكنَّ وُقوعَ الطَّلاقِ والعِتاقِ بالنِّيةِ مِنْ غَيرِ تَلفُّظٍ أمرٌ خارِجٌ عَنِ الثَّوابِ والعِقابِ، ولا تَلازُمَ بيْنَ الأمرَينِ، فإنَّ ما يُعاقَبُ عليهِ مِنْ أعمالِ القُلوبِ هوَ مَعاصٍ قَلبيَّةٌ يَستحقُّ العُقوبةَ عليها، كما يَستحقُّهُ على المَعاصِي البدَنيَّةِ؛ إذْ هيَ مُنافيَةٌ لعُبوديَّةِ القَلبِ، فإنَّ الكِبْرَ والعُجْبَ والرِّياءَ وظَنَّ السَّوءِ مُحرَّماتٌ على القَلبِ، وهي أمورٌ اختياريَّةٌ يُمكِنُ اجتِنابُها، فيَستحقُّ العُقوبةَ على فِعْلها، وهيَ أسماءٌ لمَعانٍ مُسمَّياتُها قائِمةٌ بالقَلبِ.
وأمَّا العِتاقُ والطَّلاقُ فاسْمانِ لمُسمَّيَينِ قائِمَينِ باللِّسانِ أو ما نابَ عنهُ مِنْ إشارةٍ أو كِتابةٍ، ولَيْسَا اسْمَينِ لِمَا في القَلبِ مُجرَّدًا عن النُّطقِ (١).