وقد قالَ تعَالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: ٤٣]، فجَعلَ عارِضَ السُّكرِ مانِعًا مِنْ اعتبارِ قِراءةِ السَّكرانِ وذِكرِه وصلاتِه، كما جعَلَه النَّبيُّ ﷺ مانِعًا مِنْ صِحَّة إقرارِه لمَّا أمَرَ باستِنكاهِ مَنْ أقَرَّ بيْنَ يَديهِ بالزِّنا، وجعَلَه مانِعًا مِنْ تَكفيرِ مَنْ قالَ لهُ ولأصحابِه: «هَلْ أنتُم إلَّا عَبيدٌ لأبي؟!».جَعلَ اللهُ سُبحانَه الغَضبَ مانِعًا مِنْ إجابةِ الدَّاعِي على نَفسِه وأهلِه، وجعَلَ سُبحانَه الإكراهَ مانِعًا مِنْ كُفرِ المُتكلِّمِ بكلمةِ الكُفرِ، وجعَلَ الخطأَ والنِّسيانَ مانِعًا مِنَ المُؤاخَذةِ بالقَولِ والفِعلِ.وعارِضُ الغضَبِ قد يكونُ أقوَى مِنْ كَثيرٍ مِنْ هذهِ العَوارِضِ، فإذا كانَ الواحِدُ مِنْ هَؤلاءِ لا يَترتَّبُ على كَلامهِ مُقتضاهُ لعدَمِ القَصدِ؛ فالغَضبانُ الَّذي لم يَقصدْ ذلكَ إنْ لم يَكنْ أَولَى بالعُذرِ منهم لم يَكنْ دُونَهم.ويُوضِّحُه الوَجهُ الثَّالثَ عشَرَ: أنَّ الطَّلاقَ في حالِ الغَضبِ لهُ ثلاثُ صُوَرٍ:إحداها: أنْ يَبلُغَه عنِ امرَأتِه أمرٌ يَشتَّدُ غَضبُه لأجْلِه، ويَظنُّ أنه حَقٌّ، فيُطلِّقَها لأجلِه، ثمَّ يَتبيَّنُ أنَّها بَريئةٌ منهُ، فهذا في وُقوعِ الطَّلاقِ به وَجهانِ: أصَحُّهما أنَّه لا يَقعُ طلاقُه؛ لأنه إنَّما طلَّقَها لهذا السَّببِ والعِلَّةِ، والسَّببُ كالشَّرطِ، فكأنه قالَ: «إنْ كانَتْ فعَلَتْ ذلكَ فهي طالِقٌ»، فإذا لم تَفعلْهُ لم يُوجَدِ الشَّرطُ.وقَد ذكَرَ المَسألةَ بعَينِها أبو الوَفاءِ ابنُ عَقيلٍ، وذكَرَ الشَّريفُ ابنُ أبي مُوسَى في «إرشادِهِ» فيما إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ أنْ دَخلْتِ الدَّارِ» -بفَتحِ الهَمزةِ- مِرارًا وهو يَعرِفُ العربيَّةَ، ثمَّ تَبيَّنَ أنها لم تَدخُلْ لَم تَطلُقْ.ولا يُقالُ: هو هاهُنا قد صرَّحَ بالتَّعليلِ، بخِلافِ ما إذا لَم يُصرِّحْ بهِ، فإنَّ هذا لا تأثيرَ لهُ، فإنه قد أوقَعَ الطَّلاقَ لعلَّةٍ، فإذا انَتفَتِ العلَّةُ تَبيَّنَّا أنه لم يكنْ مُريدًا لوُقوعِه بدونِها، سَواءٌ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute