للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسفَ» (١)، فلو كانَ قد نُسِخَ القُنوتُ لم يَقنُت هذه المرَّةَ الثانيةَ.

وقد ثَبت عنه في الصَّحِيحِ: «أَنَّه قنَت في المَغربِ، وَفِي العِشاءِ الآخرةِ» (٢) وفي السُّننِ: «كانَ يَقنُتُ في الصَّلواتِ الخَمسِ، وَأَكثَرُ قُنوتِه كانَ في الفَجرِ»، ولم يكن يُداوِمُ على القُنوتِ، لا في الفَجرِ ولا في غيرِها، بل قد ثَبت في الصَّحِيحَينِ عن أنَسٍ أنَّه قالَ: «لَم يَقنُت بعدَ الرُّكُوعِ إلَّا شَهرًا» (٣)، فالحَديثُ الذي رَواهُ الحاكِمُ وغيرُه مِنْ حَديثِ الرَّبيعِ بنِ أنَسٍ أنَّه قالَ: «مَا زَالَ يَقنُتُ حتى فَارَقَ الدُّنيا» (٤)، إنَّما قالَه في سِياقِ القُنوتِ قبلَ الرُّكوعِ، وهذا الحَديثُ لو عارَضَ الحَديثَ الصَّحِيحَ لم يُلتَفَت إليه؛ فإنَّ الرَّبيعَ بنَ أنَسٍ ليس مِنْ رِجالِ الصَّحِيحٍ؛ فكيفَ وهو لم يُعارِضه، وإنَّما مَعناه أنَّه كانَ يُطيلُ القيامَ في الفَجرِ دائِمًا، وأمَّا أنَّه كانَ يَدعو في الفَجرِ دائِمًا قبلَ الرُّكوعِ أو بعدَه بدُعاءٍ يُسمعَ منه، أو لا يُسمَعُ، فهذا باطِلٌ قَطعًا، وكلُّ مَنْ تأَمَّلَ الأحادِيثَ الصَّحِيحةَ علِم هذا بالضَّرورةِ، وعلِم أنَّ هذا القولَ لو كانَ واقِعًا لَنقلَه الصَّحابَةُ والتَّابِعونَ، ولَمَا أهمَلوا قُنوتَه الرَّاتبَ المَشروعَ لنا، مع أنَّهم نَقَلوا قُنوتَه الذي لا يُشرعُ بعَينِه، وإنَّما يُشرعُ نَظيرُه.

فيُشرعُ أن يَقنُتَ عندَ النَّوازِلِ، يَدعو لِلمُؤمِنينَ، ويَدعو على الكُفَّارِ في


(١) رَواه البخاري (٧٧١، ٩٦١)، ومُسلِم (٦٧٥).
(٢) رَواه مُسلِم (٦٧٦، ٦٧٨).
(٣) رَواه البخاري (٢٩٩٩)، ومُسلِم (٦٧٧).
(٤) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: تَقَدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>