المسألةُ بهِ، بلْ وبدُونِه، ونحْنُ نُناظِرُكم فيما طَعنْتُم بهِ في تِلكَ الأدلَّةِ وفيما عارَضْتُمونا بهِ، على أنَّا لا نُحكِّمُ على أنفُسِنا إلَّا نَصًّا عنِ اللهِ أو نَصًّا ثابتًا عنْ رَسولِ اللهِ ﷺ أو إجماعًا مُتيقَّنًا لا شَكَّ فيهِ، وما عدا هذا فعُرضَةٌ للنِّزاعِ، وغايَتُه أنْ يكونَ سائِغَ الاتِّباعِ لا لازِمَهُ، فلْتكُنْ هذهِ المُقدِّمةُ سلَفًا لنا عِندَكُم، وقدْ قالَ تعالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، فقدْ تَنازعْنا نحنُ وأنتُم في هذهِ المَسألةِ، فلا سَبيلَ إلى رَدِّها إلى غَيرِ اللهِ ورَسولِهِ ألبتَّةَ، وسيأتي أنَّنا أحقُّ بِالصَّحابةِ وأسعَدُ بهمْ فيها، فنَقولُ:
أمَّا منْعُكُم لتَحريمِ جمْعِ الثَّلاثِ فلا رَيبِ أنَّها مَسألةُ نِزاعٍ، ولكنَّ الأدلَّةَ الدالَّةَ على التَّحريمِ حُجَّةٌ عَليكُم.
أمَّا قَولُكم: «إنَّ القُرآنَ دلَّ على جَوازِ الجَمْعِ» فدَعَوى غَيرُ مَقبولةٍ، بلْ باطِلةٌ، وغايةُ ما تَمسَّكْتُم بهِ إطلاقُ القُرآنِ للَفظِ الطَّلاقِ، وذلكَ لا يَعُمُّ جائِزَهُ ومُحرَّمَه، كما لا يَدخلُ تحتَهُ طلاقُ الحائِضِ وطلاقُ المَوطوءةِ في طُهرِها، وما مَثَلُكم في ذلكَ إلَّا كمَثَلِ مَنْ عارَضَ السنَّةَ الصَّحيحةَ في تَحريمِ الطَّلاقِ المُحرَّمِ بهذهِ الإطلاقاتِ سواءٌ، ومَعلومٌ أنَّ القُرآنَ لم يَدلَّ على جَوازِ كلِّ طلاقٍ حتَّى تُحمِّلُوهُ ما لا يُطيقُه، وإنَّما دلَّ على أحكامِ الطَّلاقِ، والمُبيِّنُ عنِ اللهِ ﷿ بيَّنَ حَلالَهُ وحرامَهُ، ولا ريبَ أنَّا أسعَدُ بظاهِرِ القُرآنِ كما بيَّنَّا في صَدرِ الاستِدلالِ، وأنَّهُ سُبحانَهُ لم يشرعْ قطُّ طلاقًا بائِنًا بغَيرِ عِوضٍ لمَدخولٍ بها، إلَّا أنْ يكونَ آخِرَ العَدَدِ، وهذا كِتابُ اللهِ بَينَنا وبَينَكُم،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute