للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها دَليلٌ شَرعيٌّ أصلًا، وإذا كانَ كَثيرٌ مِنَ الفُقهاءِ يُوقِعونَ الطَّلاقَ بالسَّكرانِ ويقولُونَ: نُوقِعُهُ عُقوبةً ونَجعلُ ذلكَ ممَّا يَسوغُ فيهِ الاجتِهادُ -معَ أنَّ هذا لا يُوجِبُ انتِهاءَ النَّاسِ عنِ السُّكرِ- فكيفَ لا يكونُ ما فعَلَهُ عُمرُ مِنَ العُقوبةِ ممَّا يَسوغُ فيهِ الاجتهادُ؟ معَ أنَّ ذلكَ أقربُ إلى الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ ومَقصُودِ المُعاقِبِ مِنْ هذا.

ولو قُدِّرَ أنَّ بعضَ الصَّحابةِ رَأى وُقوعَ الثَّلاثِ جُملةً بكُلِّ مَنْ تَكلَّمَ بها، ورَأى هذا شَرْعًا عامًّا لازمًا، فقَدْ نازَعَهُ في ذلكَ غَيرُه، معَ أنَّ هذا بَعيدٌ، فإنَّ الَّذينَ رُويَ عَنهمْ إيقاعُ الثَّلاثِ جُملةً رُويَ عَنهمْ نَفيُ ذلكَ، كَعُمرَ وعَليٍّ وابنِ مَسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ، فحَملُ كَلامِهم على اختِلافِ حالَينِ أَولَى مِنْ حَملِ كَلامِهم على التَّناقُضِ واعتِقادِهِم فَسادَ أحَدِ القولَينِ، وقدْ قالَ تعالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ …

ثمَّ قالَ : أصْلُ مَقصُودِ الشَّارعِ أنْ لا يقَعَ الطَّلاقُ إلَّا للحاجَةِ، والحاجَةُ تَندَفعُ بثَلاثٍ مُتفرِّقةٍ، كلُّ واحدةٍ بعدَ رَجعةٍ أو عقْدٍ، فما زادَ على هذا فلا حاجَةَ إليهِ فلا يُشرَعُ، فإنَّهُ إذا فرَّقَ الثَّلاثةَ عَليها في ثلاثَةِ أطْهارٍ لم تَكنْ بهِ حاجَةٌ إلى الثَّانيةِ والثَّالثةِ، فإنَّ مَقصودَهُ مِنَ الطَّلاقِ يَحصلُ بالأُولى، كما أنَّه لا حاجَةَ بهِ إلى الثَّلاثِ …

وإذا عُرِفَ أنَّ هذا مَقصودُ الشَّارعِ فالطَّلاقُ المُسمَّى الشَّرعيُّ لا يترتَّبُ عَليهِ مَفسدةٌ راجِحةٌ، بخِلافِ غَيرِه مِنْ أنواعِ الطَّلاقِ البِدعيِّ المَنهيِّ عنهُ، فإنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>