ذلكَ عَليهِم؛ لِئلَّا يَفعلُوا ذلكَ، فالشَّارِعُ حرَّمَ عليهِمُ المَرأةَ بعْدَ الثَّالثةِ عُقوبَةً لهُم، فرَأى عُمرُ وغَيرُه أنَّهم إذا أكثَرُوا مِنْ إيقاعِها مُجتَمعةً استَحقُّوا هذهِ العُقوبةَ، بخِلافِ ما كانَ على عَهدِ رَسولِ اللهِ ﷺ وأبي بَكرٍ وأوَّلِ خِلافتِه، فإنَّها كانَتْ قَليلةً في النَّاسِ، وكانُوا يَنتَهونَ بنَهيِ الشَّارعِ، فلم يَكنْ في وُقوعِها قَليلًا حاجةٌ إلى عُقوبَةٍ، ولا رَيبَ أنَّهُ إذا كَثُرَ المَحظورُ احتاجَ النَّاسُ فيهِ إلى زجْرٍ أكثرَ ممَّا إذا كانَ قَليلًا.
ولهذا لمَّا رَأى الصَّحابةُ ﵃ كَثرَةَ شُربِ النَّاسِ الخَمرَ واستَخفافَهُم بالعُقوبَةِ الَّتي هي أربَعونَ جَلَدُوا ثَمانِينَ، وكانَ عُمرُ معَ ذلكَ يَنفِي ويَحلقُ الرَّأسَ؛ لأنَّ عُقوبةَ الشَّاربِ لم يُقدِّرِ النَّبيُّ ﷺ فيها قَدرًا مُؤبَّدًا كما قَدَّرَ في القَذفِ، لا عددًا ولا صِفةً، بل أقلُّ ما ضَرَبَ أربعِينَ، وكانَ يَضربُ بالجَريدِ والنِّعالِ وأطرافِ الثِّيابِ، وقدْ أمَرَ بقَتلِ الشَّاربِ في الرَّابعةِ، فكانَ صِفةُ عُقوبتُهُ وقَدرُها مُفوَّضًا إلى اجتِهادِ الأئِمةِ، ولو كانَ النَّبيُّ ﷺ أوجَبَ فيها حدًّا حَرُمَ ما زادَ عَليهِ لامتَنَعَ عَليهم أنْ يُبدِّلُوا شَريعَتُه، فإنَّهم لا يتَّفقُونَ على ضَلالةٍ.
وإذا كانَ هذا فعَلَهُ عُمرُ على وَجهِ العُقوبةِ والتَّعزيرِ بذلكَ لكَثرةِ إقدامِ النَّاسِ على المَحظورِ، لا لأنَّهُ شرْعٌ لازِمٌ لكلِّ مَنْ تَكلَّمَ بذلكَ، سواءٌ كانَ عالِمًا بالتَّحريمِ أو جاهِلًا، وسواءٌ كانَ النَّاسُ يَحتاجونَ إلى العُقوبةِ بذلكَ أو لا يَحتاجُونَ؛ لم يَكنْ على أنَّ إيقاعَ الثَّلاثِ بكَلمةٍ واحدةٍ لِكلِّ مَنْ تكلَّمَ