للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجَّةٌ؛ وإنْ كانَ هوَ تَكلَّمَ بلفظِ الطَّلاقِ بقَولِهِ: «طَلَّقهَا ثَلاثًا» قدْ يُرادُ بهِ مُفرَّقةً، كقولِهِ: «هيَ طالِقٌ، هيَ طالِقٌ، هِيَ طالِقٌ»، كما في حَديثِ فاطِمةَ وغَيرِها أنَّ زَوْجَها طلَّقَها ثلاثًا، وكانَ المُرادُ ثلاثًا مُفرَّقاتٍ، فلا حُجَّةَ فيهِ أيضًا؛ وإنْ قالَ: «هيَ طالِقٌ ثلاثًا» فَلا حُجَّةَ فيهِ أيضًا كما سَنذكرُهُ.

والثَّالثُ: حَديثُ امرأةِ رفاعَةَ، وهوَ أيضًا لَفظٌ مُجمَلٌ، فقدْ يَكونُ الطَّلاقُ الثَّلاثُ وقَعَ مُفرَّقًا كما وَقعَ في حَديثِ فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ.

بلْ وأمَّا حَديثُ «البَتَّة» إنْ صحَّ ففِيهِ أنَّه أتَى إلى النَّبيِّ وقالَ: «ما أردْتُ إلَّا واحِدةً، وأنَّهُ استَحلفَهُ: ما أردْتَ إلَّا واحِدةً؟».

ومَنطُوقُ هذا لا حجَّةَ فيهِ؛ لأنَّهُ إذا لم يُرِدْ إلَّا واحِدةً لم يَقعْ بهِ إلَّا واحدةٌ، وفيهِ حُجَّةٌ على مَسألةِ النِّزاعِ المَشهورةِ بيْنَ الفُقهاءِ، وأمَّا مَفهومُهُ فمُجمَلٌ، لو قالَ: أردْتُ ثَلاثًا حتَّى كانَ يَغضبُ عَليهِ ويُؤدِّبُه لِفعلِهِ المُحرَّمَ الَّذي نَهَى عنهُ، كما غَضبَ على غَيرِه، ويُؤخِّرُ إذنَهُ لهُ في الرَّجعةِ تأديبًا لهُ، أو كانَ يُوقِعُها بهِ، وليسَ في الحَديثِ بَيانٌ لأحدِهِما، والطَّريقُ الآخَرُ الَّذي هوَ أصحُّ فإنَّهُ أوقَعَ ثَلاثًا، ولا يَجوزُ أنْ يَثبُتَ تَحريمٌ عامٌّ يَلزمُ الأمَّةَ بمَسكُوتٍ مُجمَلٍ أو بِحَديثٍ مُضعَّفٍ قدْ عارَضَهُ ما هُو أصحُّ مِنْه لا بَيانَ فيهِ للوُقوعِ، وإنَّما فِيهِ الفَرقُ بيْنَ أنْ يُريدَ الواحدَةَ أو أكثرَ، والفرْقُ ثابِتٌ بِدونِ إيقاعِ الثَّلاثِ.

وقدْ رَوى مُسلمٌ في صَحيحِه عَنْ عائِشةَ قالَتْ: «طلَّقَ رَجلٌ امرأتَهُ ثَلاثًا قبْلَ أنْ يَدخُل بها، فأرادَ زوْجُها الأوَّلُ أنْ يَتزوَّجَها، فسُئلَ رَسولُ اللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>