للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّاوِي في أحدِهِما كجَهالةِ أولادِ رُكانةَ، فإنَّهم لا يُعرَفونَ بعِلمٍ ولا حِفظٍ، والإسنادُ الآخَرُ رِجالُهُ مِنْ مَشاهِيرِ أهلِ العِلمِ والفِقهِ والصِّدقِ، وحَديثُ طاوسٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ الَّذي لا رَيبَ في صِحتِه مُوافقٌ، فصارَتِ الأحادِيثُ بأنَّ الثَّلاثَ كانَتْ واحدةً يصدقُ بَعضُها بَعضًا، ولم يَرْوِ أحدٌ مِنْ أهلِ العِلمِ حَديثًا ثابِتًا بأنَّ النَّبيَّ ألزَمَ بثَلاثٍ مُفرِّقةٍ.

وقدْ جاءَ حَديثٌ ثالِثٌ في الثَّلاثِ مُجتَمعةً، رَواهُ النَّسائيُّ فقالَ: أخبَرَنا سُليمانُ بنُ داودَ، أبَنَا ابنُ وَهبٍ، أخبَرَني مَخرمَةُ عنْ أبيهِ قالَ: سَمِعتُ مَحمودَ بنَ لَبيدٍ قالَ: «أُخبِرَ رَسولُ اللهِ عن رجُلٍ طلَّقَ امرأتَهُ ثلاثَ تَطليقاتٍ جَميعًا، فقامَ غضبانًا ثمَّ قالَ: أيُلعَبُ بكِتابِ اللهِ وأنا بيْنَ أظهُرِكُم؟ حتَّى قامَ رَجلٌ وقالَ: يا رسُولَ اللهِ ألَا أقتلُه؟» (١).

ففي هذا الحَديثِ أنَّهُ غَضِبَ على مَنْ طلَّقَ ثلاثًا بكَلمةٍ واحدَةٍ، وجعَلَ هذا لَعبًا بكتابِ اللهِ، وأنكَرَ أنْ يُفعَلَ هذا وهَو بيْنَهم، حتَّى استَأذنَهُ رجُلٌ في قَتْلِه، ومعَ هذا فلَم يُذكَرْ أنَّهُ فرَّقَ بيْنَه وبيْنَ امرأتِهِ، وتأخيرُ البَيانِ عَنْ وَقتِ الحاجةِ لا يَجوزُ، ولا يُقالُ: كانَ هذا مَعلومًا بيْنَهم، فإنَّ هذا يَشتَبِهُ، وقَد ثبَتَ أنَّهم كانُوا يَجعلُونَ الثَّلاثَ واحدَةً، ونَفسُ التَّحريمِ يَشتَبِهُ على العُلماءِ فضلًا عنِ العامَّةِ، حتَّى أنَّ كَثيرًا مِنهمْ يَقولُونَ: ليسَ هو بحَرامٍ.

فإنْ قيلَ: المُطلِّقُ كانَ يعتَقدُ وُقوعَ الطَّلاقِ بالثَّلاثِ.


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه النسائي (٣٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>