للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْكَ امرأتُكَ، وإنَّ اللهَ قالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ﴾».

قلتُ: لا يُقالُ مِثلُ هذا الكَلامِ إلَّا لِمَنْ عَلِمَ أنَّ جمْعَ الثَّلاثِ مُحرَّمٌ، ثمَّ فعَلَهُ عامِدًا لفِعلِ المُحرَّمِ، فإنَّ هذا لَم يتَّقِ اللهَ بلْ تعدَّى حدُودَهُ، أمَّا مَنْ لم يَعلمْ أنَّ ذلكَ مُحرَّمٌ ولا قامَتْ عليهِ حجَّةٌ بتَحريمِ ذلكَ، ولو عَلِمَ أنَّهُ مُحرَّمٌ لم يَفعلْهُ، فإنَّ هذا لا يَخرجُ عنِ التَّقوى بذلكَ، ولا يُقالُ لهُ: إنَّكَ لم تتَّقِ اللهَ فلا أجدُ لكَ مَخرَجًا، ولا يُقالُ لهُ: عَصيْتَ ربَّكَ.

ففي فُتيا ابنِ عبَّاسٍ هذهِ ونَحوِها إيقاعُ الثَّلاثِ بمِثلِ هذا لمَّا تَتايَعَ النَّاسُ فيما نُهُوا عَنهُ، فأجازَهُ عَليهِم عُمرُ ومَن رُويَ أنَّهُ وافَقَهُ، كعُثمانَ وعليٍّ وابنِ مَسعُودٍ وزَيدِ بنِ ثابِتٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ عُمرَ وأبي هُريرَةَ وعَبدِ اللهِ بنِ عمرٍو وغَيرِهمُ الَّذين أجازُوا الثَّلاثَ على النَّاسِ المُتَتايِعِينَ فيما نُهُوا عَنهُ مِنْ ذلكَ، كما وافَقُوا عُمرَ على أنَّ حدَّ في الخَمرِ بثَمانِينَ لمَّا كَثُرَ شُرْبُ النَّاسِ لها واستَقلُّوا العُقوبةَ بأربَعِينَ.

وكانَ عُمرُ أحيانًا يَنفِي في الخَمرِ ويَحلِقُ الرَّأسَ، فيُغلِّظُ عُقوبَتَها بحَسبِ الحاجَةِ؛ إذْ لم يَكنْ مِنَ النَّبيِّ فيها حَدٌّ مُقدَّرٌ مُوقَّتُ القدْرِ والصِّفةِ لا يُزادُ عَليهِ ولا يُنْقَصُ منهُ كما في حدِّ القَذْفِ، بلْ كانَ قدْرُ العُقوبَةِ فيها وَصفَتُها مُوكُولةً إلى اجتِهادِ الأئِمةِ بحَسبِ الحاجَةِ، فمِن أدناها أربَعونَ بالجَريدِ والنِّعالِ وأطرافِ الثِّيابِ، وهذا مِنْ أخفِّ العُقوباتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>