للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهِ واعتَدَّ عليهِ بها لَم يَعدلْ عَنِ الجَوابِ بفِعلِه وشَرْعِه إلى «أرَأيتَ»، وكانَ ابنُ عُمَرَ أكرَهُ ما إليهِ «أَرأَيتَ»، فكيفَ يَعدلُ للسَّائلِ عَنْ صَريحِ السُّنَّةِ إلى لَفظةِ «أَرأيتَ» الدَّالَّةِ على نَوعٍ مِنَ الرَّأيِ سَبَبُه عَجزُ المُطلِّقِ وحُمْقُه عن إيقاعِ الطَّلاقِ على الوَجهِ الَّذي أَذِنَ اللهُ لهُ فيهِ، والأَظهرُ فيما هذهِ صِفتُه أنَّه لا يُعتَّدُ بهِ وأنَّه ساقِطٌ مِنْ فِعلِ فاعِلِه؛ لأنَّه ليسَ في دِينِ اللهِ تعالَى حُكمٌ نافِذٌ سبَبُه العَجزُ والحُمْقُ عنِ امتِثالِ الأمْرِ، إلَّا أنْ يكونَ فِعلًا لا يُمكِنُ رَدُّه، بخِلافِ العُقودِ المُحرَّمةِ الَّتي مَنْ عقَدَها على الوَجهِ المُحرَّمِ فقَدْ عَجَزَ واستَحمَقَ، وحِينَئذٍ فيُقالَ: هذا أدَلُّ على الرَّدِّ منهُ على الصِّحةِ واللُّزومِ؛ فإنَّه عَقْدُ عاجِزٍ أحمَقَ على خِلافِ أمْرِ اللهِ ورَسولِه، فيكونُ مَردودًا باطِلًا، فهذا الرَّأيُ والقِياسُ أدَلُّ على بُطلانِ طَلاقِ مَنْ عجَزَ واستَحمَقَ منهُ على صِحَّتِه واعتِبارِه.

وأمَّا قَولُه: «فحُسِبَتْ مِنْ طلاقِها» ففِعْلٌ مَبنيٌّ لِمَا لم يُسمَّ فاعِلُه، فإذا سُمِّيَ فاعِلُه ظهَرَ وتبَيَّنَ هل في حُسبَانِه حُجَّةٌ أو لا، وليسَ في حُسبانِ الفاعِلِ المَجهولِ دَليلٌ أَلبتَّةَ، وسواءٌ كانَ القائِلُ «فحُسِبَتْ» ابنُ عُمرَ أو نافِعًا أو مَنْ دُونَه، وليسَ فيهِ بيَانُ أنَّ رَسولَ اللهِ هوَ الَّذي حسَبَها حتَّى تَلزمَ الحُجَّةُ بهِ وتَحرُمَ مُخالَفَتُه، فقَد تَبيَّنَ أنَّ سائِرَ الأحاديثِ لا تُخالِفُ حديثَ أبِي الزُّبيرِ، وأنَّهُ صَريحٌ في أنَّ رَسولَ اللهِ لَم يَرَها شَيئًا، وسائِرُ الأحادِيثِ مُجمَلَةٌ لا بَيانَ فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>