ولأنَّ كلَّ معنًى لم يَجبْ في الخُلعِ مع صحَّةِ العِوضِ لم يَجبْ مع فَسادِه، أصلُه المَهرُ المُسمَّى، ولأنَّ ثُبوتَ البَدلِ في الخُلعِ لا يَتعلَّقُ به حقُّ اللهِ تعالَى، بدليلِ جَوازِ التَّراضي على إسقاطِه، فمتى صَحَّ العَقدُ برِضاهُ مِنْ غيرِ بَدلٍ مَعلومٍ صارَ كأنَّه طلَّقَ بلا عِوضٍ، ولأنَّ وُجوبَ مَهرِ المِثلِ لا يَخلُو أنْ يكونَ بدَلًا عَنْ العوضِ أو عَنْ البُضعِ، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ بَدلًا عَنْ العِوضِ؛ لأنَّ كلَّ بَدلٍ كانَ قائمًا يَكونُ العِوضُ قيمتَه لا غَير، ومَهرُ المثلِ ليسَ بقيمةٍ للخَمرِ، وإنْ كانَ بَدلًا عَنْ فَواتِ البُضعِ لا يَصحُّ؛ لأنَّ خُروجَ البُضعِ مِنْ مِلكِ الزَّوجِ لا قيمةَ لهُ، وتُبنَى المسألةُ على هذا المَوضعِ، وهو أنَّ خُروجَ البُضعِ مِنْ مِلكِ الزَّوجِ لا قيمةَ لهُ؛ لأنَّ الَّذي يَتلفُ بهِ استِباحتُه، وتلكَ الاستِباحةُ لا تُقوَّمُ في حقِّ مِثلِها، كالمريضِ يطلِّقُ فلا يُقوَّمُ البُضعُ عليها في الثُّلثِ، فلو كانَ لهُ قيمةٌ لقوِّمَ عَليها، كما لو أعطاها شَيئًا مِنْ مالِه، ولأنها لوِ ارتدَّتْ بعدَ الدُّخولِ لم يَلزمْها شيءٌ للزَّوجِ، فلو كانَ لخُروجِ بُضعِها عَنْ مِلكِه قيمةٌ لَوجَبَ أنْ تَضمنَها كما تَضمنُ قيمةَ ما استَهلكَتْ، ولأنَّ قاتِلَها لا يَلزمُه لزَوجِها قيمةُ البُضعِ، فلو كانَ له قيمةٌ لَضَمنَها كسائرِ مالِهِ (١).
وقالَ الحَنابلةُ: فإنْ كانَ الخُلعُ بلَفظِ الطَّلاقِ فهو طلاقٌ رَجعيٌّ؛ لأنَّه
(١) «عقد الجواهر الثمينة» (٢/ ٤٩٨)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٣٨٨، ٣٨٩)، رقم (١٢١٧)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٥١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute