للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلَّقَ عليهِ الأجرَ وجعَلَه صَدقةً لفاعِلِه، فقالَ: «وفي بُضعِ أحَدِكُم صَدقةٌ». ومِن تَراجِمِ النَّسائيِّ على هذا «التَّرغيبُ في المُباضَعةِ» ثمَّ ذكَرَ هذا الحَديثَ، ففي هذا كَمالُ الَّلذةِ وكَمالُ الإحسانِ إلى الحَبيبةِ وحُصولُ الأجرِ وثَوابُ الصَّدقةِ وفَرحُ النَّفسِ وذَهابُ أفكارِها الرَّديئةِ عنها وخِفَّةُ الرُّوحُ وذَهابُ كَثافتِها وغِلَظِها وخِفةُ الجِسمِ واعتِدالُ المِزاجِ وجَلبُ الصِّحةِ ودَفعُ الموادِّ الرَّديئةِ، فإنْ صادَفَ ذلكَ وَجهًا حَسنًا وخُلُقًا دَمِثًا وعِشقًا وافِرًا ورَغبةً تامَّةً واحتِسابًا للثَّوابِ، فذلكَ الَّلذةُ الَّتي لا يُعادِلُها شيءٌ، ولا سِيَّما إذا وافقَتْ كَمالَها، فإنها لا تَكمُلُ حتَّى يَأخذَ كلُّ جُزءٍ مِنْ البَدنِ بقِسطِه مِنْ الَّلذةِ، فتَلتَذُّ العَينُ بالنَّظرِ إلى المَحبوبِ، والأُذنُ بسَماعِ كَلامِه، والأنفُ بشَمِّ رائحتِه، والفمُ بتقبيلِه، واليَدُ بلَمسِه، وتَعتكِفُ كلُّ جارِحةٍ على ما تَطلبُه مِنْ لَذَّتِها وتُقابلُه مِنْ المَحبوبِ، فإنْ فُقدَ مِنْ ذلك شيءٌ لم تَزلِ النَّفسُ مُتطلِّعةً إليه مُتقاضِيةً له، فلا تَسكنُ كلَّ السُّكونِ، ولذلكَ تُسمَّى المرأةُ سَكَنًا؛ لسُكونِ النَّفسِ إليها، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: ٢١].

ولذلكَ فُضِّلَ جِماعُ النَّهارِ على جِماعِ الَّليلِ، ولسَببٍ آخَرَ طَبيعيٍّ وهو أنَّ الَّليلَ وَقتٌ تَبْرُدُ فيه الحَواسُّ وتَطلُبُ حَظَّها مِنْ السُّكونِ، والنَّهارُ مَحلُّ انتِشارِ الحَركاتِ كما قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (٤٧)[الفرقان: ٤٧]، وقالَ اللهُ تعالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧]، وتَمامُ النِّعمةِ في ذلكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>