للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنفيَّةُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ آيَةٌ مِنْ القُرآنِ؛ لأنَّ الأُمةَ أجمعَت على أنَّ ما كانَ مَكتوبًا بينَ الدَّفَتَينِ بقَلَمِ الوَحيِ هو مِنْ القُرآنِ، والتَّسمِيَةُ كذلك، لكنَّها ليست بآيَةٍ مِنْ الفاتِحةِ، ولا مِنْ رَأسِ كلِّ سُورةٍ، وإنَّما هي افتِتاحٌ لها؛ تَبَرُّكًا، ويَقرؤُها المُصلِّي، إمامًا أو مُنفرِدًا، سِرًّا مع الفاتِحةِ في كلِّ رَكعةٍ مِنْ رَكعاتِ الصَّلاةِ، وإن قَرَأها مع كلِّ سُورةٍ فحَسَنٌ، وهو مَذهبُ الحَنفيَّةِ.

واستدَلُّوا على ذلك بحَديثِ أبي هُريرةَ قالَ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ يَقولُ: «قالَ اللهُ ﷿: قَسَمتُ الصَّلاةَ بَينِي وَبينَ عَبدي نِصفَينِ، وَلِعَبدي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [﴿: ٢]، قالَ اللهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبدي، وإذا قالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [﴿: ٣]، قالَ اللهُ تَعالَى: أثنَى عَلَيَّ عَبدي، وإذا قالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [﴿: ٤]، قالَ: مَجَّدَنِي عَبدي، وقالَ مرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبدي، فإذا قالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [﴿: ٥]، قالَ: هذا بَينِي وَبينَ عَبدي، وَلِعَبدي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [﴿: ٦، ٧]، قالَ: هذا لِعَبدي، وَلِعَبدي ما سَأَلَ» (١).

وَجهُ الاستِدلالِ به مِنْ وجهَينِ:

أحَدُهما: أنَّه بَدأَ بقولِه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، لا بقولِه: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ولو كانَت مِنْ الفاتِحةِ لكانَتِ البُداءةُ بها، لا بالحَمدِ.

والآخَرُ: أنَّه نصَّ على المُناصَفةِ ولو كانَتِ التَّسمِيَةُ مِنْ الفاتِحةِ لم


(١) رواه مسلم (٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>