وذهَبَ المالكيَّةُ إلى أنَّ المُتعةَ مُستحَبَّةٌ وليسَتْ واجِبةٌ؛ لظاهِرِ قَولِه تعالَى: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١)﴾ [البقرة: ٢٤١]، وفي مَوضِعٍ آخَرَ: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)﴾ [البقرة: ٢٣٦]، وفي هذا إشارةٌ إلى أنها مُستحَبةٌ؛ إذْ لو كانَتْ واجِبةً لَأطلَقَها على الخَلقِ أجمعِينَ، فإنَّ الواجِبَ يكونُ حَتمًا على المُتَّقينَ وغَيرِ المُتقِينَ، فقَولُه تعالَى: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)﴾، أي: على المُتفضِّليِنَ المُتجمِّلِينَ، وما كانَ مِنْ بابِ الإجمالِ والإحسانِ فليسَ بواجِبٍ؛ ولأنَّ الطَّلاقَ تأثيرُه الإسقاطُ لا الإيجابُ، بدَليلِ أنهُ إذا سَمَّى مَهرًا ثمَّ طلَّقَ سقَطَ نِصفُه ولم يَلزمْهُ شيءٌ آخَرُ، فلَم يَجبْ بهِ شيءٌ؛ لأنَّ ما كانَ واجِبًا قبْلَه قد سقَطَ، فهو عن أنْ يَجبَ به شيءٌ آخَرُ لم يكنْ واجِبًا أبعَدُ، ولأنَّ الطَّلاقَ نوعٌ مِنَ البَينونةِ فلم يَجبْ بهِ مُتعةٌ كالمَوتِ، ولأنَّ كلَّ امرأةٍ لو ماتَتْ لم يَكنْ لها مُتعةٌ، كذلكَ إذا طُلقَتْ، أصلُهُ إذا طُلقَتْ قبْلَ الدُّخولِ وقد سُمِّيَ لها، ولأنَّا لم نَرَ في النِّكاحِ شيئًا وجَبَ للمَرأةِ بزوالِ العَقدِ اعتِبارًا بسائِرِ الواجِباتِ، ولأنها عَطيَّةٌ غَيرُ مُعتبَرٍ بها على وجهٍ، فلَم تَكنْ واجِبةً كالهِبةِ والصَّدقةِ (١).
وسيأتي إنْ شاء اللهُ مُفصَّلاً مِقدارُ المُتعةِ، وهل هي لكُلِّ مُطلَّقةٍ أم لا في فَصلِ المُتعةِ.
(١) «الاستذكار» (٦/ ١٢١، ١٢٢)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٣٥٣، ٣٥٤)، رقم (١١٨٨)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٢٠٠)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٧٣، ٧٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute