بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، أَخبَرَ ﷾ أنه أحَلَّ ما وراءَ ذلكَ بشَرطِ الابتغاءِ بالمالِ دَلَّ أنه لا جوازَ للنكاحِ بدون المالِ، ولأنَّ الأصلَ في الأبضاعِ والنُّفوسِ هو الحُرمةُ، والإباحةُ تَثبتُ بهذا الشرطِ، فعِند عدمِ الشرطِ تَبقى الحُرمةُ على الأصلِ.
ولأنَّ مِلكَ النكاحِ لم يُشرعْ لعَينِه، بل لمِقاصدَ لا حصولَ لها إلا بالدوامِ على النكاحِ والقَرارِ عليه، ولا يَدومُ إلا بوُجوبِ المهرِ بنَفسِ العقدِ، لِمَا يَجري بينَ الزوجَين مِنْ الأسبابِ التي تَحملُ الزوجَ على الطَّلاقِ مِنْ الوحشةِ والخُشونةِ، فلو لم يَجبِ المهرُ بنفس العقدِ لا يُبالي الزوجُ عن إزالةِ هذا المِلكِ بأدنى خُشونةٍ تَحدثُ بينَهما؛ لأنه لا يَشقُّ عليه إزالتُه لمَّا لم يَخَفْ لُزومَ المهرِ، فلا تَحصلُ المَقاصدُ المَطلوبةُ مِنْ النكاحِ، ولأنَّ مَصالحَ النكاحِ ومَقاصدَه لا تَحصلُ إلا بالمُوافَقةِ، ولا تَحصلُ المُوافقةُ إلا إذا كانَتِ المرأةُ عزيزةً مُكرَّمةً عندَ الزوجِ، ولا عزَّةَ إلا بانسدادِ طريقِ الوصولِ إليها إلا بمالٍ له خَطَرٌ عندَه؛ لأنَّ ما ضاقَ طَريقُ إصابتِه يَعزُّ في الأَعيُنِ فيَعزُّ به إمساكُه، وما يَتيسرَ طريقُ إصابتِه يَهونُ في الأَعيُنِ فيَهونُ إمساكُه، ومتى هانَتْ في أَعيُنِ الزوجِ تَلحقُها الوَحشةُ فلا تقعُ المُوافقةُ فلا تَحصلُ مَقاصدُ النكاحِ، ولأنَّ المِلكَ ثابتٌ في جانبِها إمَّا في نفسِها وإمَّا في المتعةِ، وأحكامُ المِلكِ في الحرَّةِ تُشعرُ بالذُّلِّ والهَوانِ، فلا بدَّ وأنْ يُقابلَه مالٌ له خَطَرٌ؛ لِيَنجبِرَ الذلُّ مِنْ حيثُ المعنى.