الأصلَ أنْ لا يَجوزَ للمسلمِ أنْ يَنكحَ الكافرةَ؛ لأنَّ ازدواجَ الكافرةِ والمُخالَطةَ معها مع قيامِ العَداوةِ الدِّينيةِ لا يَحصلُ السَّكنُ والمودةُ الذي هو قوامُ مَقاصِدِ النكاحِ، إلا أنه جوَّزَ نكاحَ الكتابيةِ لرَجاءِ إسلامِها؛ لأنها آمنَتْ بكُتُبِ الأنبياءِ والرُّسلِ في الجُملةِ، وإنما نقضَتِ الجملةَ بالتفصيلِ بناءً على أنها أُخبِرَتْ عنِ الأمرِ على خِلافِ حقيقتِه، فالظاهرُ أنها متَى نُبِّهَتْ على حقيقةِ الأمرِ تنبَّهتْ وتأتي بالإيمانِ على التفصيلِ على حَسبِ ما كانَتْ أتَتْ به على الجُملةِ.
هذا هوَ الظاهرُ مِنْ حالِ التي بُنِي أمرُها على الدليلِ دونَ الهوى والطبعِ، والزوجُ يَدعوها إلى الإسلام ويُنبِّهُها على حقيقةِ الأمرِ، فكانَ في نكاحِ المُسلمِ إياها رَجاءُ إسلامِها، فجوَّزَ نكاحَها لهذهِ العاقبةِ الحَميدةِ، بخلافِ المُشرِكةِ؛ فإنها في اختيارِها الشِّركَ ما ثبَتَ أمرُها على الحُجةِ، بل على التقليدِ بوُجودِ الإباءِ عن ذلكَ مِنْ غيرِ أنْ ينتهيَ ذلكَ الخبَرُ ممَّن يَجبُ قَبول قولِه واتِّباعُه وهو الرسولُ، فالظاهرُ أنها لا تَنظرُ في الحُجةِ ولا تَلتفتُ إليها عندَ الدعوةِ، فيَبقى ازدواجُ الكافرِ مع قيامِ العَداوةِ الدينيةِ المانِعةِ عن السَّكنِ والازدواجِ والمودةِ خاليًا عن العاقبةِ الحَميدةِ، فلم يَجُزْ إنكاحُها، وسواءٌ كانتِ الكِتابيةُ حرَّةً أو أمَةً عندَنا.