والدليلُ عليه أنَّه لو نزَلَ للزوجِ لَبنٌ فارتَضَعَتْ منهُ صغيرةٌ لم تَحرمْ عليهِ، فإذا لم تَثبُتِ الحرمةُ بلَبنِه فكَيفَ تَثبتُ بلبنِ غيرِه؟
ولنا: الحديثُ المشهورُ، وهو قولِ النبيِّ ﷺ: «يحرمُ مِنَ الرضاعِ ما يحرمُ مِنَ النسبِ» - ثمَّ ذَكَرَ أحاديثَ عائشةَ ثمَّ قالَ: - وعنِ ابنِ عباسٍ ﵄ أنَّه سُئلَ عن رَجلٍ له امرأتانِ أو جاريةٌ وامرأةٌ فأَرضَعتْ هذه غلامًا وهذه جاريةً، هل يَصلحُ للغلامِ أنْ يتزوَّجَ الجاريةَ؟ فقالَ ﵁: «لا، اللقاحُ واحدٌ»، بيَّنَ الحُكمَ وأشارَ إلى المعنَى وهو اتِّحادُ اللقاحِ، ولأنَّ المحرِّمَ هو اللَّبنُ، وسَببُ اللَّبنِ هوَ ماءُ الرَّجلِ والمرأةِ جميعًا، فيَجبُ أنْ يكونَ الرضاعُ منهما جَميعًا كما كانَ الولدُ لهُما جَميعًا.
وأمَّا قولُهم أنَّ اللهَ تعالى بيَّنَ الحرمةَ في جانبِ المرضِعةِ لا في جانبِ زوجِها فنقولُ: إنْ لم يبيِّنْها نصًّا فقدْ بيَّنَها دَلالةً؛ وهذا لأنَّ البَيانَ مِنَ اللهِ تعالَى بطريقَينِ: بَيانُ إحاطةٍ وبَيانُ كِفايةٍ، فبيَّنَ في النسبِ بَيانَ إحاطةٍ، وبيَّنَ في الرضاعِ بيانَ كفايةٍ، تَسليطًا للمُجتهدِينِ على الاجتهادِ والاستدلالِ بالمَنصوصِ عليه على غيرِهِ، وهوَ أنَّ الحُرمةَ في جانبِ المرضِعةِ لمَكانِ اللبنِ، وسببُ حصولِ اللبنِ ونزولِه هو ماؤُهما جميعاً، فكانَ الرضاعُ منهما جميعًا؛ وهذا لأنَّ اللبنَ إنما يُوجِبُ الحُرمةَ لأجلِ الجُزئيةِ والبَعضيةِ؛ لأنه يُنبِتُ اللحمَ ويُنشِرُ العَظمَ على ما نطَقَ به الحديثُ، ولمَّا كانَ سَببُ حصولِ اللَّبنِ ونزولِه ماءَهُما جَميعًا، وبارتضاعِ اللبنِ تَثبتُ الجُزئيةُ بواسطةِ نَباتِ اللحمِ، يُقامُ سببُ الجُزئيةِ مقامَ حَقيقةِ الجزئيةِ في بابِ الحُرُماتِ احتياطًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute