للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمُّكِ فأْذَنِي لهُ»، قالَتْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إنما أرضَعَتْني المَرأةُ ولم يُرضِعْني الرَّجلُ، قالَتْ: فقالَ رَسولُ اللهِ : «إنه عمُّكِ فلْيَلِجْ عليكِ»، قالَتْ عائشةُ: وذلكَ بعدَ أنْ ضُرِبَ علينا الحِجابُ، قالَتْ عائِشةُ: يَحرمُ مِنْ الرَّضاعةِ ما يَحرمُ مِنْ الوِلادةِ (١).

فعائشةُ قد رضَعَتْ مِنِ امرأةِ أبي القعيسِ بلَبنِه، فصارَ أبو القعيسِ أبًا لعائِشةَ، وصارَ أخوه عمًّا لعائِشةَ، فأشكَلَ هذا على عائشةَ إذْ لا رَضاعةَ حقيقةً إلا مِنِ امرأةٍ؛ لقولِهِ تعالَى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣]، فلمْ تَرَ للرَّجلِ حُكمًا للرَّضاعِ، فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنما أرضَعَتْني المرأةُ ولمْ يُرضِعْني الرجلُ، فأخبَرَها النبيُّ أنَّ لبَنَ الفحلِ يُحرِّمُ بقولِهِ: «إنه عَمُّكِ فأذني لَهُ».

قالَ ابنُ المُنذرِ : والسنَّةُ مُستغنًى بها عمَّا سِواها، ومِن جِهةِ النظَرِ أنَّ سببَ اللَّبنِ هوَ ماءُ الرَّجلِ والمرأةِ جميعًا، فوجَبَ أنْ يكونَ الرضاعُ منهُما كما كانَ الولدُ لهُما وإنِ اختَلفَ سببُهما، كما أنَّ الجَدَّ لمَّا كانَ سببًا في الولدِ تعلَّقَ تحريمُ ولَدِ الولدِ به كتَعلُّقِه بولدِهِ، كذلكَ حُكمُ الرجلِ والمرأةِ، وقد سُئلَ ابنُ عبَّاسٍ عن رَجلٍ له امرأتانِ فأرضَعَتْ إحداهُما غلامًا والأخرَى جاريةً، فقالَ: لا يَجوزُ للغلامِ أنْ يَتزوَّجَ الجاريةَ؛ لأنَّ اللقاحَ واحدٌ، أي: الأمهاتُ وإنْ افتَرقْنَ فإنَّ الأبَ واحدٌ الذي هوَ سببُ اللَّبنِ للمرأتَينِ، فالغلامُ والجاريةُ أخوانِ لأبٍ مِنَ الرضاعِ (٢).


(١) رواه البخاري (٤٩٤١).
(٢) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٢٠١)، و «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>