للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيهِ قولٌ ثانٍ: وهو أنَّ مَنْ نكَحَ وهو مَريضٌ لا تَرِثُه إذا فعَلَ ذلك ضِرارًا، هذا قولُ الزُّهريِّ، وبه قالَ مالِكٌ، وقالَ القاسِمُ وسالمٌ: إنْ كان فعَلَ ذلك ضِرارًا مُضارًّا لم يَجُزْ، فإنْ لم يَكنْ مُضارًّا جازَ.

وقالَ مالكٌ: إنْ لم يَدخلْ بها فُرِّقَ بينَهُما ولا مهْرَ لها، فإنْ دخَلَ بها فلها مَهرُها؛ لِمَا استَحلَّ مِنْ فرْجِها، يُبدأُ به قبلَ الوَصايا والعتقِ.

وقالَ قتادةُ: إنْ كانَ تَزوجَها مِنْ حاجةٍ به إليها مِنْ خِدمةٍ أو قيامٍ فإنها تَرِثُه (١).

وأمَّا الإمامُ ابنُ رُشدٍ فمالَ إلى اعتبارِ المَصلحةِ في ذلكَ، فإنْ دلَّتِ الدلائلُ على أنَّه قصَدَ بالنكاحِ خَيرًا لا يُمنَعُ النكاحَ، وإنْ دلَّتْ على أنه قصَدَ الإضرارَ بورثتِهِ مُنِعَ، كما في أشياءَ مِنَ الصنائعِ، فقالَ : اختَلفُوا في نكاحِ المَريضِ، فقالَ أبو حَنيفةَ والشافعيُّ: يَجوزُ، وقالَ مالكٌ في المَشهورِ عنهُ: إنهُ لا يجوزُ، ويَتخرَّجُ ذلكَ مِنْ قولِه أنه يُفرَّقُ بينَهما وإنْ صحَّ، ويَتخرَّجُ مِنْ قولِه أيضًا أنهُ لا يُفرَّقُ بينَهما أنَّ التفريقَ مُستحبٌّ غيرُ واجبٍ.

وسببُ اختلافِهم: تَردُّدُ النكاحِ بينَ البيعِ وبينَ الهبةِ؛ وذلكَ أنهُ لا تجوزُ هبةُ المَريضِ إلا مِنَ الثلثِ ويجَوزُ بيعُه.

ولاختِلافِهم أيضًا سَببٌ آخَرُ وهوَ: هل يُتَّهمُ على إضرارِ الورثةِ بإدخالِ وارثٍ زائدٍ أو لا يُتَّهمُ؟


(١) «الإشراف» (٥/ ١٠٦، ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>