والدليلُ عليهِ قولُه تعالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] ولم يُفرِّقْ بينَ صَحيحٍ ومَريضٍ، ورُويَ عن مُعاذِ بنِ جَبلٍ ﵁ أنه قالَ في مرَضِه:«زوِّجُوني لِئلَّا ألقَى اللهَ عَزْبًا»، ورُويَ عن ابنِ مَسعودٍ ﵁ أنه قالَ:«لو لم يَبْقَ مِنْ أجَلِي إلا عَشرةُ أيامٍ ما أحبَبْتُ إلا أنْ تكونَ لي زَوجةٌ»، ورَوى هِشامُ بنُ عُروةَ عن أبيه أنَّ الزُّبيرَ ﵁ دخَلَ على قُدامةَ يَعودُه فبَصرَ عندَه بجاريةٍ، فقالَ قُدامةُ: زوِّجْنِي بها، فقالَ: ما تَصنعُ بها وأنتَ على هذهِ الحالةِ؟ فقالَ: إنْ أنا عِشْتُ نسَبْتُ الزُّبيرَ، وإنْ متُّ فهُمْ أحَقُّ مَنْ يَرثنِي».
ولأنَّ كلَّ مَنْ لم يُمنَعْ مِنْ التَّسرِّي بالإماءِ لم يُمنَعْ مِنْ نكاحِ الحَرائرِ كالصَّحيحِ، ولأنه فِراشٌ لا يُمنَعُ منه الصحيحِ، فوجَبَ ألا يُمنعَ منه المَريضُ كالاستِمتاعِ بالإماءِ، ولأنه عقدٌ، فلمْ يَمنعْ منه المرضُ كالبيعِ والشراءِ، ولأنه لا يَخلُو عقدُه مِنْ أنْ يكونَ لحاجةٍ أو لِشهوةٍ، فإنْ كانَ لحاجةٍ لم يَجُزْ منعُه، وإنْ كانَ لشهوةٍ فهي مُباحةٌ له كما أُبيحَ له أنْ يَلتزمَ بما شاءَ مِنْ أكلٍ أو لبسٍ.
فأمَّا الجَوابُ عن استِدلالِهم بالتُّهمةِ ودُخولِ الضَّررِ فهو أنَّ التُّهمةَ تَبعُدُ عمَّن هو في مَرضِ موتِه؛ لأنه في الأغلبِ يَقصدُ وجْهَ اللهِ ﷿، والضررُ لا يَمنعُ مِنْ جوازِ العُقودِ كالبيعِ، ولأنه إنْ كانَ ضَررًا لوَرثتِه فهو مَنفعةٌ لنَفسِه، وهو أحَقُّ بمَنفعةِ نَفسِه مِنْ منفعةِ وَرثتِه.
فأمَّا الجَوابُ عن استِدلالِهم بأنَّ فيه مُزاحَمةً لبعضِ الوَرثةِ ودفْعًا