قالَ الإمامُ الطحَاويُّ ﵀: فأمَّا النَّظرُ في ذلكَ: فإنَّ المُحرِمَ حرامٌ عليه جِماعُ النِّساءِ، فاحتُملَ أنْ يكونَ عقدُ نكاحِهنَّ كذلكَ، فنظَرْنا في ذلكَ فوَجدْناهُم قد أجمَعُوا أنه لا بأسَ على المُحرمِ بأنْ يَبتاعَ جارِيةً، ولكنْ لا يَطؤُها حتَّى يَحِلَّ، ولا بأسَ بأنْ يَشتريَ لِيَتطيَّبَ به بعدَما يَحِلُّ، ولا بأسَ بأنْ يَشتريَ قَميصًا لِيَلبسَه بعدَما يَحلُّ، وذلكَ الجِماعُ هو والتطيُّبُ واللِّباسُ حَرامٌ عليه كلُّه وهو مُحرِمٌ، فلمْ يَكنْ حُرمةُ ذلكَ عليهِ تَمنعُه عقْدَ المِلكِ عليهِ، ورأَيْنا المُحرِمَ لا يَشتريْ صَيدًا، فاحتُملَ أنْ يكونَ حُكمُ عَقدِ النكاحِ كحُكمِ عَقدِ شِراءِ الصيدِ أو حُكمِ عقدِ شِراءِ ما وصَفْنا ممَّا سِوى ذلكَ، فنظَرْنا في ذلكَ فإذا مَنْ أحرَمَ وفي يَدِه صَيدٌ أُمرَ أنْ يُطلِقَه، ومَن أحرَمَ وعليهِ قَميصٌ وفي يَدِه طِيبٌ أُمرَ أنْ يَطرحَه عنهُ ويَرفعَه، ولم يَكنْ ذلكَ كالصَّيدِ الذي يُؤمَرُ بتَخليتِه ويتركُ حَبسهُ، ورأَيْناهُ إذا أحرَمَ ومعَه امرأةٌ لم يُؤمرْ بإطلاقِها، بل يُؤمرُ بحِفظِها وصَونِها، فكانَتِ المرأةُ في ذلكَ كاللِّباسِ والطِّيبِ لا كالصَّيدِ، فالنظرُ على ذلكَ أنْ يكونَ في استِقبالِ عَقدِ النكاحِ عليها في حُكمِ استقبالِ عقدِ المِلكِ على الثيابِ والطِّيبِ الذي يَحلُّ له به لبسُ ذلكَ واستعمالُه بعدَ الخُروجِ مِنْ الإحرامِ.
فقالَ قائِلٌ: فقدْ رأَيْنا مَنْ تزوَّجَ أختَه مِنْ الرَّضاعةِ كانَ نكاحُه باطِلًا، ولو اشتِراها كانَ شِراؤُه جائِزًا، فكانَ الشِّراءُ يَجوزُ أنْ يُعقدَ على ما لا يَحلُّ وَطؤُه، والنكاحُ لا يجوزُ أنْ يُعقدَ إلا على مَنْ يَحلُّ وَطؤُها، وكانَتِ المرأةُ حَرامًا على المُحرمِ جِماعُها، فالنظرُ على ذلكَ أنْ يَحرمَ عليه نِكاحهُا.