للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفُوا إذا وُجدَ بالرَّجلِ جُنونٌ أو جُذامٌ أو بَرَصٌ؛ هَلْ يَثبتُ لها الخِيارُ أم لا؟

فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ -وعَليهِ الفَتوى عندَهُم- إلى أنه لا يَثبتُ الخِيارُ للمَرأةِ إلا بالجَبِّ والعُنَّةِ والخَصْيِ فقطْ، ولا يَثبتُ لها الخِيارُ بالجُنونِ والجُذامِ والبَرَصِ؛ لأنَّ الخِيارَ يُبطِلُ حَقَّ الزوجِ، فلا يَثبتُ، وإنَّما ثبَتَ في الجَبِّ والعُنَّةِ لإخلالِهما بالمَقصودِ مِنَ النكاحِ وهوَ الوَطءُ، وهذهِ العُيوبُ غَيرُ مُخلَّةٍ بهِ، ولأنَّ المُستحَقَّ على الزوجِ تَصحيحُ مَهرِها بوَطئِه إيَّاها، وهذا مَوجودٌ.

وذَهبَ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ الحسَنِ إلى أنه يَثبتُ للمَرأةِ حَقُّ الفَسخِ بجُنونِ الزَّوجِ أو جُذامِهِ أو بَرَصَه؛ لأنه لا يَنتظِمُ بيْنَهما المَصالحُ، فيَثبتُ لها الخِيارُ دَفعًا للضَّررِ عَنها، بخِلافِ الزوجِ؛ لأنه يَقدرُ على دَفعِهِ بالطلاقِ، وصارَ كالجَبِّ والعُنَّةِ، ولأنها يَلحقُها الضَّررُ بالمقَامِ معَ المَجنونِ أكثرَ ممَّا يَلحقُها بالمقَامِ معَ العنِّينِ، فإذا ثبَتَ لها الخِيارُ معَ العنِّينِ فهذا أَولى (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٢٢، ٣٢٧)، و «الهداية» (٢/ ٢٧)، و «الاختيار» (٣/ ١٤٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٥٢، ٣٥٣)، و «العناية» (٦/ ٩٠)، و «اللباب» (٢/ ٥١)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٥٢٣)، قالَ الكاسانِيُّ : فَصلٌ: وأمَّا خُلوُّ الزوجِ عمَّا سِوى هذهِ العُيوبِ الخَمسةِ مِنَ الجَبِّ والعُنَّةِ والتَّأَخُّذِ والخِصاءِ والخُنوثَةِ فهلْ هوَ شرطٌ لُزومِ النكاحِ؟ قالَ أبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ: ليسَ بشَرطٍ ولا يُفسخُ النكاحُ بِه.
وقالَ مُحمدٌ: خُلوُّه مِنْ كلِّ عَيبٍ لا يُمكِنُها المقَامُ معَه إلا بضَررٍ كالجُنونِ والجُذامِ والبَرَصِ شَرطُ لُزومِ النِّكاحِ حتَّى يُفسخ بهِ النِّكاحِ، وخُلوُّه عمَّا سِوى ذلكَ ليسَ بشَرطٍ، وهو مَذهبُ الشافعيِّ.
وجهُ قَولِ مُحمدٍ: أنَّ الخِيارَ في العُيوبِ الخَمسةِ إنما ثبَتَ لدَفعِ الضَّررِ عنِ المَرأةِ، وهذهِ العُيوبُ في إلحاقِ الضررِ بها فوقَ تلكَ؛ لأنها مِنْ الأدواءِ المُتعدِّيةِ عادَةً، فلمَّا ثبَتَ الخِيارُ بتلكَ فلَأنْ يَثبتَ بهذهِ أَولى، بخلافِ ما إذا كانَتْ هذهِ العُيوبُ في جانِبِ المَرأةِ؛ لأنَّ الزوجَ وإنْ كانَ يَتضرَّرُ بها لَكنْ يُمكِنُه دَفعُ الضررِ عَنْ نفسِه بالطلاقِ، فإنَّ الطلاقَ بيَدِه، والمَرأةُ لا يُمكِنُها ذلكَ؛ لأنها لا تَملِكُ الطلاقَ، فتَعيَّنَ الفَسخُ طَريقًا لدَفعِ الضَّررِ.
ولَهُما: أنَّ الخِيارَ في تِلكَ العُيوبِ ثبَتَ لدَفعِ ضَررِ فَواتِ حقِّها المُستحَقِّ بالعَقدِ، وهوَ الوطءُ مرَّةً واحدةً، وهذا الحقُّ لم يَفُتْ بهذهِ العُيوبِ؛ لأنَّ الوطءَ يَتحقَّقُ مِنْ الزوجِ معَ هذهِ العُيوبِ، فلا يَثبتُ الخِيارُ هذا في جانبِ الزوجِ.
وأمَّا في جانبِ المرأةِ فخُلوُّها عنِ العَيبِ ليسَ بشَرطٍ للُزومِ النكاحِ بلا خِلافٍ بيْنَ أصحابِنا، حتَّى لا يُفسَخ النِّكاح بشيءٍ مِنْ العُيوبِ المَوجودةِ فيها. «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>