للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ في رِوايةٍ أنَّ الحِرفةَ لا تُعتبَرُ، وهو الظَّاهرُ، حتَّى إنَّ البِيطارَ يَكونُ كُفئًا للعطَّارِ؛ وذلكَ لأنَّ الحِرفةَ ليسَتْ بلازِمةٍ، ويُمكِنُ التَّحولُ عنِ الخَسيسةِ إلى النَّفيسةِ مِنها (١).

وقالَ الشافِعيةُ: الحِرفَةُ مِنْ خِصالِ الكَفاءةِ في النِّكاحِ، فصاحبُ حِرفةٍ فيهِ أو في أحَدِ آبائِه -وهي ما يَتحرَّفُ بهِ لطَلبِ الرِّزقِ مِنْ الصَّنائعِ وغيرِها- دَنيئةٍ -وهيَ ما دلَّتْ مُلابَستُها على انحِطاطٍ في المُروءةِ وسُقوطِ النَّفسِ كمُلابَسةِ القاذُوراتِ- ليسَ هو ولا ابنُه كُفءَ أرفَعِ منهُ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ [النحل: ٧١] أي: في سَببِه، فبَعضُهم يَصلُ إليهِ بعِزٍّ وراحةٍ، وبَعضُهم بذُلٍّ ومَشقَّةٍ، وبقولِه تعالَى: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)[الشعراء: ١١١] قالَ المُفسِّرونَ: كانُوا حاكَةً، ولم يُنكِرْ عليهِم هذهِ التَّسميةَ.

فكنَّاسُ وحَجَّامٌ وحارِسٌ وراعٍ وقيِّمُ الحَمَّامِ ونَحوُهم كَحائِكٍ ليسَ كُفؤَ بنتِ خيَّاطٍ، والظَّاهرُ أنَّ هؤلاءِ أكفَاءٌ لبَعضِهم بَعضًا.

ولا خيَّاطٌ كُفؤَ بنتِ تاجِرٍ أو بنتِ بَزَّازٍ، وكلٌّ مِنهما كُفءٌ للآخَرِ.

ولا هُما -أي التَّاجر والبَزَّاز- كفُؤَ بنتِ عالِمٍ وبنتِ قاضٍ؛ نَظرًا للعُرفِ في ذلكَ.


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٢٠)، و «الهداية» (١/ ٢٠٢)، و «الاختيار» (٣/ ١٢٤)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٠٩)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٣٦٣)، و «شرح فتح القدير» (٣/ ٣٠١)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٣٤)، و «اللباب» (٢/ ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>