قالَ أبو عُبيدٍ: والمُسلمونَ اليومَ على الرُّخصةِ في نِساءِ أهلِ الكِتابِ، ويَرَونَ أنَّ التحليلَ هو الناسِخُ للتَّحريمِ، فقدْ تزوَّجَ عُثمانُ بنُ عفَّانَ بِنائِلةَ بنتِ الفرافصةِ الكَلبيةَ وهي نَصرانيةٌ، تزوَّجَها على نسائِه، وتزوَّجَ طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ يَهوديةً، وتزوَّجَ حُذيفةُ يَهوديةً وعندَه حُرَّتانِ مُسلِمتانِ، وقد رُويَ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ أنه كانَ يأمُرُ بالتنزُّهِ عنهنَّ مِنْ غيرِ أنْ يُحرِّمهنَّ.
قالَ أبو عُبيدٍ: حدَّثَنا مُحمدُ بنُ يَزيدَ عن الصَّلتِ بنِ بَهرامَ عن شَقيقِ بنِ سَلمةَ قالَ: تزوَّجَ حُذيفةُ يَهوديةً، فكتَبَ إليه عُمرُ أنْ خَلِّ سَبيلَها، فقالَ: أحَرامٌ هيَ؟ فكتَبَ إليه عُمرُ: لا، ولكنْ أخافُ أنْ تُواقِعُوا المُومِساتِ منهم، يَعنِي الزَّوانيَ، فيرَى أنَّ عُمرَ ذهَبَ إلى قولِه تعالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥]، فنَقولُ: إنَّ اللهَ تعالَى إنَّما شرَطَ العَفائِفَ مِنهنَّ، وهذه لا يُؤمَنُ أنْ تكونَ غيرَ عَفيفةٍ، والذي عليهِ جَماعةُ الفُقهاءِ في قولِه: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] أنَّ المُرادَ بالآيةِ تَحريمُ الوثَنيَّاتِ والمَجوسِياتِ، وأنه لم يَنسخْ تَحريمَهنَّ كِتابٌ ولا سُنَّةٌ.
وشَذَّ أبو ثَورٍ عن الجَماعةِ، فأجازَ مُناكَحةَ المَجوسِ وأكْلَ ذَبائحِهم، وهو مَحجوجٌ بالجَماعةِ والتَّنزيلِ (١).
وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀ بعدَ أنْ نقَلَ كَلامِ ابنِ عُمرَ ﵄: وهذا قَولٌ شَذَّ فيه ابنُ عُمرَ عن جَماعةِ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهِم، وخالَفَ ظاهِرَ قولِ اللهِ ﷿: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ
(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٤٣٤، ٤٣٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute