للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الشرطَ لمَّا كانَ هو الإظهارُ يُعتبَرُ فيه ما هو طَريقُ الظهورِ شَرعًا، وذلكَ شَهادةُ الشاهِدَينِ، فإنه مع شَهادتِهما لا يَبقَى سِرًّا، قالَ القائِلُ:

وسِرُّكَ ما كانَ عندَ امرئٍ … وسَرُّ الثَّلاثةِ غيرُ الخَفِي

ولأنَّ اشتِراطَ زِيادةِ شيءٍ في هذا العَقدِ لإظهارِ خَطرِ البُضعِ، فهو نَظيرُ اشتِراطِ زيادةِ شَيءٍ في إثباتِ إتْلافِ ما يُملَكُ بالنكاحِ، وإنما اختُصَّ ذلكَ مِنْ بينِ سائرِ نَظائرِه بزِيادةِ شاهِدَينِ، فكذلكَ هذا التَّمليكُ مُختَصٌّ مِنْ بينِ سائرِ نَظائرِه بزيادةِ شاهدَينِ (١).

ويُخالِفُ النكاحَ البَيعُ؛ فإنَّ القصدَ منهُ المالُ، والقَصدُ مِنْ النكاحِ الاستِمتاعُ وطَلبُ الولَدِ، ومَبناهُما على الاحتِياطِ؛ لأنَّ عقْدَ النكاحِ يَتعلقُ به حَقُّ غيرِ المُتعاقدَينِ وهو الولَدُ، فاشتُرطَتِ الشَّهادةُ فيهِ لئلَّا يَجحدَه أبوهُ فيَضيعَ نَسبُه، بخِلافِ البيعِ، فأمَّا نكاحُ النبيِّ بغيرِ وَليٍّ وغيرِ شُهودٍ فمِن خَصائصِه في النكاحِ، فلا يُلحَقُ به غيرُه (٢).

قالَ الحَنفيةُ: الشَّهادةُ شَرطٌ في بابِ النكاحِ، فلا يَنعقدُ نكاحُ المُسلمينَ إلَّا بحُضورِ شاهدَينِ حُرَّينِ عاقِلينِ بالِغينِ مُسلمَينِ سامعَينِ معًا قَولَهُما فاهمَينِ كَلامَهُما، رَجلَينِ أو رَجلٌ وامرأتَينِ عُدولًا كانوا -أي الشُّهودُ- أو غيرَ عُدولٍ، أو مُحدودَينِ في القَذفِ أو أعمَيَينِ، أو ابنَي الزوجَينِ أو


(١) «المبسوط» (٥/ ٣١)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٥٣)، و «شرح فتح القدير» (٣/ ١٩٩)، و «الاختيار» (٣/ ١٠٣)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٦٦، ٢٦٧)، و «اللباب» (٢/ ١٨).
(٢) «الحاوي الكبير» (٩/ ٥٨)، و «المهذب» (٢/ ٤٠)، و «المغني» (٧/ ٧)، و «الكافي» (٣/ ٢١)، و «المبدع» (٧/ ٤٦، ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>