للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا حَديثُ: «البِكرُ تُستأمَرُ في نَفسِهَا، والثيِّبُ تُشاوَرُ» فالمُرادُ منهُ الثيِّبُ التي تَعارفَها الناسُ ثيِّبًا؛ لأنَّ مُطلَقَ الكَلامِ يَنصرفُ إلى المُتعارَفَ بينَ الناسِ، ولهذا لم تَدخلِ البكرُ التي زالَتْ عُذرَتُها بالطَّفرةِ والوَثبةِ والحَيضةِ ونحوِ ذلكَ في هذا الحَديثِ وإنْ كانَتْ ثيِّبًا حقيقةً (١).

وقالَ المالِكيةُ: ولأنَّ المَعنى الذي لأجْلِه ارتفَعَ إجبارُ الثيِّبِ بالنكاحِ أنَّ الحَياءَ الذي يَكونُ في البكرِ والانقِباضَ يَزولُ عنها وتَصيرُ مِنْ أهلِ الاختيارِ، وهذا لا يُوجَدُ في المَزْنِيِّ بها؛ لأنَّ الحَياءَ يَغلُبُ عليها أشَدَّ مِنْ غَلبتِه على البِكرِ؛ لقُبحِ ما رَكبتْه وللعارِ الذي لَحِقَها لمَّا زَهِدَ الناسُ فيها، فلم يَرتفعِ الإجبارُ عنها، ولأنَّ ذهابَ البَكارةِ إذا لم يَحصلْ معَها الإجبارُ فذَهابُ الحَياءِ لا يُزيلُ الإجبارَ كالطَّفرةِ والوَثبةِ، ولأنَّ البكارةَ يتعلَّقُ بها أمرَانِ: حَجْرٌ في المالِ وإجبارُ التَّزويجِ، ثم ثبَتَ أنَّ وِلايةَ المالِ لا تَسقطُ عنها بهذا الفعلِ، كذلكَ الإجبارُ (٢).

وذهَبَ الصَّاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ مَنْ زالَتْ بَكارتُها بوَطءٍ حَلالٍ أو حَرامٍ بزنًا أو غَصبٍ فهي كما لو


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٤٤، ٢٤٥)، و «المبسوط» (٥/ ٧، ٨)، و «الهداية» (١/ ١٩٧)، و «شرح فتح القدير» (٣/ ٢٧٠، ٢٧١)، و «الاختيار» (٣/ ١١٧)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٢٣).
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٩٠، ٢٩١) رقم (١١٢٥)، و «المعونة» (١/ ٤٧٦)، و «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٢٥٤)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>