للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ المالِكيةُ: ولأنَّ كلَّ مَنْ لا يَملكُ التصرُّفَ في مالِها بنفسِه لا يَملكُ إجبارَها على النكاحِ كالأجنَبيِّ، ولأنَّ كُلَّ مَنْ لم يَكنْ له إجبارُها بعدَ البلوغِ لم يَكنْ له إجبارُها قبلَه كالخالِ، ولأنها ليسَتْ ولَدًا له تُنسَبُ إليه على وجهٍ كالخالِ.

ولأنَّ الجَدَّ عصَبةٌ يَحجبُه الأبُ كالأخِ، ولأنه عَصبةٌ يَسقطُ مِنْ تَمليكِ الإجبارِ، فلمْ يَملكِ هو الإجبارَ كالعَمِّ، ولأنَّ كلَّ مَنْ لا يَملكُ الإجبارَ مع وُجودِ الأبِ فكذلكَ مع عَدمِه كابنِ الأخِ، ولأنَّ كلَّ تَعصيبٍ لا يُفيدَ حَجْبَ الأخِ عن الميراثِ لم يُفِدْ في الإجبارِ كتَعصيبِ العُمومةِ، ولأنها وِلايةٌ تُملَكُ انتِقالًا لا ابتداءً، فلمْ يَملكَ بها الإجبارَ كسائرِ الوِلاياتِ (١).


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٩١، ٢٩٣) رقم (١١٢٦)، و «المعونة» (١/ ٤٧٧، ٤٧٨)، و «التمهيد» (١٩/ ١٠٢، ١٠٣)، و «الاستذكار» (٥/ ٤١)، و «شرح صحيح البخاري» (٧/ ١٧٣)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٤٩٢، ٤٩٣)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٧٦، ١٨٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ١٦، ١٧)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥٤٧، ٥٥١)، وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ في «الكافي» (١/ ٢٣٢): ولا يزوِّجُ اليتيمةَ وليُّها حتَّى تَبلغَ الخيارَ في نفسِها ويتقدَّمَ الناسُ في ذلكَ، فإنْ زُوِّجتْ وبلغَتْ ولم ترْضَ فأرى أنْ يُفسخَ النكاحُ، وقد قيلَ: إنْ زوَّجَ اليتيمةَ وبها حاجةُ مُلحَّةٌ في صَلاحٍ وغِنًى إذا بلغَتْ عشرَ سِنينَ ونحوَها فلا بأسَ بذلكَ، قالَ ابنُ الموَّازِ: لو رَضيَتْ بعدَ أنْ بلغَتْ لم يَجُزْ حتى يُفسَخَ ويَستأنِفونَ نكاحًا جديدًا، وقالَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحكَمِ: أصَحُّ أقاويلِه أنْ لا تزوَّجَ اليَتيمةُ حتَّى تَبلغَ وتَرضَى، ولا يجوزُ لوليٍّ ولا لوصيٍّ ولا لسلطانٍ إنكاحُ البكرِ اليتيمةِ حتَّى تَبلغَ وتأذَنَ، فإنْ فُعِلَ ذلكَ وزوَّجَها أحدٌ قبلَ بلوغُها فعَنْ مالكٍ في ذلكَ ثلاثُ رواياتٍ: إحداها: أنَّ النكاحَ باطِلٌ ويُفسخُ وإنْ بلغَتْ ما لم يَدخلْ، والثانيةُ: أنه جائزٌ ولها الخِيارُ إذا بلغَتْ في فَسخِه أو إقرارِه، ذكَرَه ابنُ عبدِ الحَكمِ عن مالكٍ، والثالثةُ: إنْ كانَتْ بها حاجةٌ وفاقَةٌ ولها في النكاحِ مَصلحةٌ وكانَ مثلُها يُوطَأُ جازَ النكاحُ وثبَتَ ولا خيارَ لها بعدَ البلوغِ، وعلى كلِّ مَنْ أنكَحَ البكرَ اليتيمةَ أنْ يعرِّفَها بأنَّ سكوتَها إذنٌ منها ورضًى بنكاحِ الذي خطَبَها، وأنها إنْ سكتَتْ عندَما عَلِمتْ لزمَها، فإنْ سكتَتْ بعدَ معرفتِها بذلكَ زوِّجَتْ وعُقدَ عليها، وإنْ نفرَتْ وبكَتْ أو قامَتْ أو ظهَرَ منها ما يَدلُّ على كَراهيةِ النكاحِ فلا تُنكَحُ معَ ذلك.
وقالَ ابنُ الحاجِبِ في «جامع الأمهات» (٢٥٦): رجَعَ مالكٌ إلى أنه لا تُزوَّجُ اليتيمةُ، وعنه: إنْ دعَتْ حاجةٌ ومثلُها يُوطَأُ جازَ، وقيلَ: تزوَّجُ ولها الخِيارُ إذا بلغَتْ: وقالَ ابنُ بشيرٍ: اتَّفقَ المتأخِّرونَ أنه يَجوزُ إذا خِيفَ الفسادُ، وعلى المَشهورِ: يُفسَخُ وإنْ بلغَتْ ما لم يَدخلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>