ومِن التَّابعينَ: شُريحٌ والحَسنُ البَصريُّ، ومِن الفُقهاءِ أبو حَنيفةَ والأوزاعيُّ وأحمَدُ وإسحاقُ، وقالَ مالكٌ: النكاحُ للأولِ إلَّا أنْ يَدخلَ بها الثَّاني وهو لا يَعلمُ بنكاحِ الأولِ، فيكونُ النكاحُ للثَّاني دُونَ الأولِ، وبه قالِ مِنْ الصَّحابةِ عمرُ بنُ الخطَّابِ، ومِن التابعِينَ عطاءٌ، ومِن الفُقهاءِ الزُّهريُّ؛ استِدلالًا بما رُويَ أنَّ موسَى بنَ طَلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ زوَّجَ أختَه بيَزيدَ بنِ معاوُيةَ بالشامِ وزوَّجَها أخوها يَعقوبُ بنُ طَلحةَ بالحسَنِ بنِ عليٍّ بالمدينةِ، فدخَلَ بها الحسَنُ وهو الثَّاني مِنْ الزوجَينِ ولم يَعلمْ بما تقدَّمَ مِنْ نكاحِ يَزيدَ، فقضَى مُعاويةُ بنكاحِها للحسَنِ بعدَ أنْ أجمَعَ معه فُقهاءُ المَدينةِ، فصارَ مَنْ سِواهُم مَحجوبًا بإجماعِهم؛ ولأنه قد تساوَى العَقدانِ في أنْ يفردَ كلَّ واحدٍ منهُما وليٌّ مأذونٌ له، ويَرجعَ الثاني، أي ما تعلَّقَ عليه مِنْ أحكامِ النكاحِ بالدخولِ مِنْ وُجوبِ المهرِ والعدَّةِ ولُحوقِ النسَبِ، فصارَ أَولى وأثبَتَ مِنْ الأولِ، ولأنَّ المُتنازعَينِ في المِلكِ إذا انفَردَ أحَدُهما بتصرُّفٍ ويَدٍ كانَ أَولى، كذلكَ الزوجاتُ.
ودليلُنا: قولُه تعالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] إلى قولِه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٤] يعني ذواتَ الأزواجِ، فنَصَّ على تَحريمِها كالأمِّ، فلم يَجُزْ أنْ تَحلَّ بالدخولِ كما لا يَحلُّ غيرُها مِنْ المحرَّماتِ.
وروَى قَتادةُ عن الحسَنِ عن سَمرةَ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «أيُّما امرأةٍ زوَّجَها وليَّانِ فهي للأولِ منهُما» ذكَرَه أبو داودَ في سُننِه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute