(٢) قالَ المِرداويُّ ﵀: قولُهُ: (الثَّالثُ: الوليُّ، فلا نِكاحَ إلا بوليٍّ) هذا المذهَبُ، أعني: الوليُّ شَرطٌ في صِحةِ النكاحِ، وعليهِ الأصحابُ، ونَصَّ عليه، قالَ الزركشيُّ: لا يَختلفُ الأصحابُ في ذلكَ.وعنه: ليسَ الوليُّ بشَرطٍ مُطلَقًا، وخَصَّها المُصنِّفُ وجَماعةٌ بالعُذرِ لعَدمِ الوليِّ والسُّلطانِ.فعلى المَذهبِ: لو زوَّجَتِ المرأةُ نفسَها أو غيرَها لم يَصحَّ، وهو المَذهبُ وعليه الأصحابُ.وعنهُ: يجوزُ لها تَزويجُ نفسِها، ذكَرَها جَماعةٌ مِنْ الأصحابِ.وعنه: أنَّ لها أنْ تأمُرَ رجلًا يُزوِّجُها. «الإنصاف» (٨/ ٦٦).(٣) رواه مسلم (١٤٢١).(٤) قالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀ في «شرح صحيح مسلم»: قالَ القاضِي: اختَلفَ العلماءُ في المرادِ بالأيِّمِ هنا، مع اتِّفاقِ أهل اللُّغةِ على أنها تُطلَقُ على امرأةٍ لا زوْجَ لها، صَغيرةً كانَتْ أو كَبيرةً، بِكرًا كانَتْ أو ثَيبًا، قالَه إبراهيمُ الحَربيُّ وإسماعيلُ القاضي وغيرُهما، والأَيْمَةُ في اللُّغةِ العُزوبةُ، ورَجلٌ أيِّمٌ وامرأةٌ أيِّمٌ، وحكَى أبو عُبيدٍ أنه أَيِّمةٌ أيضًا، قالَ القاضي: ثمَّ اختَلفَ العلماءُ في المرادِ بها هنا، فقالَ عُلماءُ الحِجازِ والفقهاءُ كافَّةً: المُرادُ الثيِّبُ، واستَدلُّوا بأنه جاءَ مُفسَّرًا في الرِّوايةِ الأخرى بالثيِّبِ، كما ذكَرْناهُ، وبأنها جُعلَتْ مُقابِلةً للبِكرِ، وبأنَّ أكثَرَ استِعمالِها في اللغةِ للثيِّبِ، وقالَ الكُوفيونَ وزُفرُ: الأيِّمُ هنا كُلُّ امرأةٍ لا زوْجَ لها، بِكرًا كانَتْ أو ثَيبًا كما هو مُقتضاهُ في اللغةِ، قالُوا: فكُلُّ امرأةٍ بلَغَتْ فهي أحَقُّ بنفسِها مِنْ وليِّها، وعَقدُها على نفسِها النكاحَ صَحيحٌ، وبه قالَ الشَّعبيُّ والزُّهريُّ، قالوا: وليسَ الوليُّ مِنْ أركانِ صحَّةِ النكاحِ، بل مِنْ تَمامِه، وقالَ الأوزاعيُّ وأبو يُوسفَ ومُحمدٌ: تتوقَّفُ صحَّةُ النكاحِ على إجازةِ الوليِّ.قالَ القاضي: واختَلفوا أيضًا في قَولِه ﷺ: «أحَقُّ مِنْ وليِّها»، هل هي أحَقُّ بالإذنِ فقطْ؟ أو بالإذنِ والعَقدِ على نفسِها؟ فعندَ الجُمهورِ بالإذنِ فقط، وعندَ هؤلاءِ بهِما جميعًا، وقولُه ﷺ: «أحَقُّ بنَفسِها» يَحتملُ مِنْ حَيثُ اللفظِ أنَّ المُرادَ: أحَقُّ مِنْ وليِّها في كلِّ شَيءٍ مِنْ عَقدٍ وغيرِه، كما قالَه أبو حَنيفةَ وداودُ، ويَحتملُ: أنها أحَقُّ بالرِّضا، أي: لا تُزوَّجُ حتَّى تَنطقَ بالإذنِ، بخلافِ البكرِ، ولكنْ لمَّا صَحَّ قولُه ﷺ: «لا نِكاحَ إلَّا بوليٍّ» مع غيرِه مِنْ الأحاديثِ الدالَّةِ على اشتِراطِ الوليِّ تعيَّنَ الاحتمالُ الثَّاني، واعلَمْ أنَّ لَفظةَ (أحَقُّ) هنا للمُشارَكةِ، معناهُ: أنَّ لها في نفسِها في النكاحِ حقًّا ولوليِّها حقًّا، وحقُّها أوكَدُ مِنْ حقِّه، فإنه لو أرادَ تَزويجَها كُفؤًا وامتَنعَتْ لم تُجبَرْ، ولو أرادَتْ أنْ تَتزوجَ كُفؤًا فامتَنعَ الوليُّ أُجبِرَ، فإنْ أصَرَّ زوَّجَها القاضي، فدَلَّ على تأكيدِ حقِّها ورُجحانِه. «شَرح النُّوويِّ على صَحيحِ مُسلمٍ» (٩/ ٢٠٣، ٢٠٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute