للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما إنْ كانَ لا يَتمكَّنُ مِنْ التَّحرزِ مِنْ الوُقوعِ في الزِّنا إلَّا بالنكاحِ ولم يكُنْ قادِرًا على التَّسرِّي ولا الصَّومِ صارَ فَرضًا؛ لأنَّ ما لا يُتوصَّلُ إلى تَركِ الحَرامِ إلَّا به يكونُ فَرضًا.

فأمَّا لو قَدرَ على التَّسرِّي أو الصَّومِ المانعِ مِنْ الوُقوعِ في الزِّنا لم يَبْقَ النكاحُ فَرضًا أو واجِبًا عَينًا، بل هو أو غيرُه ممَّا يَمنعُه عنِ الوُقوعِ في المُحرَّمِ.

وقالَ ابنُ عابدِينَ : وكذا فيما يَظهرُ لو كانَ لا يُمكِنُه مَنعُ نَفسِه عنِ النَّظرِ المُحرَّمِ أو عنِ الاستِمناءِ بالكفِّ فيَجبُ التَّزوجُ وإنْ لم يَخَفِ الوُقوعَ في الزِّنا. اه

وهذا إنْ ملَكَ المَهرَ والنَّفقةَ ولو بالاستِدانةِ على قَولٍ، فإنْ لم يَقدرْ على المَهرِ أو النَّفقةِ لم يكنْ واجِبًا ولا فَرضًا.

قالَ الكاسانِيُّ : لا خِلافَ أنَّ النكاحَ فَرضٌ حالةَ التَّوقانِ، حتَّى أنَّ مَنْ تاقَتْ نَفسُه إلى النِّساءِ بحيثُ لا يُمكِنُه الصَّبْرُ عنهنَّ وهو قادِرٌ على المَهرِ والنَّفقةِ ولم يَتزوَّجْ يأثَمُ (١).

وهذا أيضًا عندَ عدمِ خوفِ الجَورِ -أي الظُّلمِ-، فإنْ تعارَضَ خوفُ الوُقوعِ في الزِّنا لو لم يتزوَّجْ وخوفُ الجَورِ لو تزوَّجَ قدَّمَ الثَّاني؛ فلا افتِراضَ بل يُكرَهُ؛ لأنَّ الجَورَ مَعصيةٌ مُتعلِّقةٌ بالعِبادِ، والمنعَ مِنْ الزِّنا مِنْ حُقوقِ اللهِ تعالَى، وحقُّ العبدِ مُقدَّمٌ عندَ التَّعارضِ؛ لاحتِياجِه وغِنَى المَولى تعالَى.


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>