وجُملةُ ذلك أنَّ الغائِبَ له شُفعةٌ في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، رُوي ذلك عن شُريحٍ والحَسنِ وعَطاءٍ، وبه قالَ مالِكٌ واللَّيثُ والثَّوريُّ والأَوزاعيُّ والشافِعيُّ والعَنبَريُّ وأَصحابُ الرأيِ.
ورُويَ عن النَّخَعيِّ: ليسَ للغائِبِ شُفعةٌ، وبه قالَ الحارِثُ العُكليُّ والبَتِّيُّ إلا للغائِبِ القَريبِ؛ لأنَّ إِثباتَ الشُّفعةِ له يَضرُّ بالمُشتَري ويَمنعُ من استِقرارِ مِلكِه وتَصرُّفِه على حَسبِ اختيارِه خَوفًا من أخْذِه، فلم يَثبُتْ ذلك كثُبوتِه للحاضِرِ على التَّراخي.
ولنا: عُمومُ قَولِه ﵇: «الشُّفعةُ فيما لم يُقسَمْ» وسائِرُ الأَحاديثِ، ولأنَّ الشُّفعةَ حَقٌّ مالِيٌّ وُجدَ سَببُه بالنِّسبةِ إلى الغائِبِ فيَثبُتُ له كالإِرثِ، ولأنَّه شَريكٌ لم يَعلَمْ بالبَيعِ فتَثبُتُ له الشُّفعةُ عندَ عِلمِه، كالحاضِرِ إذا كتَمَ عنه البَيعَ وكالغائِبِ غَيبةً قَريبةً، وضَررُ المُشتَري يَندفِعُ بإِيجابِ القيمةِ له كما في الصُّورةِ المَذكورةِ.
إذا ثبَتَ هذا أنَّه إذا لم يَعلَمْ بالبَيعِ إلا وَقتَ قُدومِه فله المُطالَبةُ وإنْ طالَت غَيبَتُه -لأنَّ هذا الخيارَ يَثبُتُ لإِزالةِ الضَّررِ عن المالِ- فتَراخي الزَّمانِ قبلَ العِلمِ به لا يُسقِطُه كالرَّدِّ بالعَيبِ (١).
إلا أنَّ فُقهاءَ المَذاهبِ الأربَعةِ اختَلَفوا فيما لو علِمَ وهو غائِبٌ ولم يُشهِدْ أو لم يَطلُبْها، هل تَسقُطُ شُفعتُه أو هو على شُفعتِه أبَدًا حتى يَقدَمَ ولو لم يُشهِدْ؟