للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكُفارُ فيها تَبعٌ يَنتَفِعونَ بها لضَرورةِ إِبقائِهم بالجِزيةِ، فلا يُساوونَ المالِكينَ حَقيقةً، ولهذا منَعَهم كَثيرٌ من الأئِمةِ من شِراءِ الأرضِ العُشريةِ؛ لمَا في ذلك من إِسقاطِ حَقِّ المُسلمِ من العُشرِ الذي يَجبُ، فكيفَ يُسلَّطونَ على انتِزاعِ أرضِ المُسلمِ وعَقارِه منه قَهرًا.

وأيضًا: فلو كانوا مالِكينَ حَقيقةً مَا أَوصى النَّبيُّ بإِخراجِهم من جَزيرةِ العَربِ وقالَ: «لئِنْ عِشتُ لأُخرِجنَّ اليَهودَ والنَّصارَى من جَزيرةِ العَربِ» هذا مع بَقائِهم على عَهدِهم وعَدمِ نَقضِهم له، فلو كانوا مالِكينَ لدُورِهم حَقيقةً لمَا أخرَجَهم منها ولم يَنقُضوا عَهدًا.

ولهذا احتَجَّ الإِمامُ أَحمدُ بذلك على أنَّه لا شُفعةَ لهم على مُسلمٍ، وهذا من ألطَفِ ما يَكونُ من الفَهمِ وأدَقِّ ما يَكونُ من الفِقهِ.

وأيضًا: الشُّفعةُ تَقفُ على مِلكٍ ومالِكٍ، فإذا اختَصَّت الشُّفعةُ بمِلكٍ دونَ مالِكٍ وهو العَقارُ دونَ غيرِه فأوْلى أنْ تَختصَّ بمالِكٍ دونَ مالِكٍ، وهو المُسلمُ دونَ غيرِه، وهذا على أصلِ مَنْ يَقولُ: «الشُّفعةُ تَثبُتُ على خِلافِ القياسِ» ظاهِرٌ جِدًّا، فإنَّها تَسليطٌ على انتِزاعِ مِلكِ الغيرِ منه قَهرًا لمَصلَحةِ الشَّفيعِ، فيَجبُ أنْ يَقتصِرَ بها على ما قامَ عليه الدَّليلُ وثبَتَ به الإِجماعُ دونَ غيرِه.

وأمَّا نحن فليسَت الشُّفعةُ عندَنا على خِلافِ القِياسِ، ولكنَّ حِكمةَ الشارِعِ وقياسَ أُصولِه أوجَباها دَفعًا لضَررِ الشَّركةِ بحَسبِ الإِمكانِ، وإذا كانَ البائِعُ قد رغِبَ عن الشِّقصِ ورَضيَ بالثَّمنِ فرَغبَتُه عنه لشَريكِه ليَدفعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>